“كارما”.. عندما تطارد الأفعال أصحابها في دراما كورية آسرة

لا أحد يُبدع في الانتقام مثل الدراما الكورية، هذا ما يؤكده مسلسل “كارما” الذي لن يلبث أن يأخذك ومنذ الدقيقة الأولى في رحلة تشويقية مظلمة ومعقدة، داخل شبكة متداخلة من العنف، قائمة على فكرة “أثر الفراشة” حيث لكل فعل رد فعل يمتد عبر الحبكة ولا يلبث أن يتجلى بقوة غاشمة. لكن أهم ما يبرزه العمل، كيف يمكن للقدر أن تربط خيوطه الخفية بين الغرباء بطرق يعجز خيال المشاهد عن توقعها.
كل هذا وأكثر يقدمه مسلسل “كارما” الذي يستعرض لغزا محكما بدقة، يجسد توليفة خطيرة تجمع بين اليأس البشري، والجشع، والعواقب الحتمية والوحشية لاختيارات الإنسان. تبدأ الحبكة بخيوط قصصية منفصلة سرعان ما تندمج مع الوقت لنصبح أمام أحجية مكتملة ومثيرة للرعب النفسي.
احترس من الكارما
يتتبع مسلسل “كارما” 6 حيوات متشابكة، تتسبب نرجسية أصحابها وإمعانهم في الظلم والضلال وما يتمتعون به من كبرياء مزيف في أن يلقى كل منهم نهاية مروعة لا يتمناها أحد لألد أعدائه.
تبدأ الحلقة الأولى بمشهد في مصنع مهجور لرجل يسكب الغاز من حوله قبل أن يشعل أحدهم النيران في المبنى بأكمله، إلا أن رجال الإطفاء سرعان ما يعلنون العثور على رجل حي ضيع الحريق ملامحه.
بعدها تعود الأحداث للخلف وتحديدا قبل أسبوعين من ذاك اليوم، فنشهد “بارك جاي يونغ” (لي هي جون) وقد تأخر عن دفع الإيجار لمدة 3 أشهر مما يهدده بالطرد من مسكنه المتواضع، كما أنه يدين لأحدهم بمبلغ ضخم وستذهب حياته ثمنا حرفيا إن لم يُرجعه خلال شهر واحد.
بالصدفة يكتشف يونغ أن لوالده بوليصة تأمين على الحياة تُغطي قيمتها ديونه وتفيض، يتفتق ذهنه عن إسناد مهمة قتل والده لزميل سابق بالعمل، إلا أن الأمور لا تسير كما خُطط لها، وتخرج عن السيطرة تماما لا لأبطال الحكاية فحسب وإنما لكل شخص يتقاطع طريقه مع الأبطال الرئيسيين بأي شكل من الأشكال، وهو ما يجري بطرق معقدة ومبتكرة في آن واحد.
مما يذكرنا بفيلم “كراش” الحائز الأوسكار من حيث تداخل القصص وتقاطع الحكايات، وفيلم “فارغو” الحائز الأوسكار هو الآخر في ما يتعلق بعواقب الأفعال الدموية والمروعة.
The first great #KDrama of 2025 — #Karma offers a blueprint in masterful writing, especially when it comes to interwinding stories and joining the dots. How everything comes together in the climax is a thing of beauty, and backed by great performances, plus slick production… pic.twitter.com/3KPkr4KfR9
— Russel Olaf D’Silva (@Russel_Olaf) May 4, 2025
مميزات وعيوب
سرد قصصي دقيق ومُحكم دون أي مشاهد مهدرة بما يتيح الاستكشاف الدؤوب لويلات القدر والانعطافات الحادة من خلال الاعتماد على السرد غير الخطي حيث تتكشف القصص تدريجيا وتتداخل في نهاية المطاف مما ساعد على خلق جو هائل من الغموض.
إخراج وتصوير متقنين مع استخدام أمثل للظلال لخلق أجواء تجمع بين الرهبة والتشاؤم وتتناسب مع الطبيعة البشرية المظلمة التي يسلط العمل الضوء عليها، إيقاع سريع ومفعم بالعاطفة واستخدام أمثل للرجوع بالزمن بما يسمح بالتنقل بين وجهات نظر الشخصيات المختلفة.
كل ما سبق إيجابيات فنية لفتت انتباه الجمهور والنقاد لمسلسل “كارما” لكنها ليست المميزات الوحيدة التي حظى بها العمل. تميز المسلسل كذلك بأجواء رائعة من الغموض والإثارة من الدقيقة الأولى وحتى الأخيرة مع قدر عال من التكثيف على مدار 6 حلقات فقط، مما منح الحبكة طابعا معقدا ومليئا بالتوتر مع ضرورة المشاهدة بتركيز للربط بين الشخصيات ومعرفة الصلة بين كل بطل والآخر.
وقد برع النجوم في تجسيد الشخصيات، مظهرين تفانيا كبيرا بأدوارهم رغم قصر بعضها، على رأسهم برز بارك هاي سو، كذلك قدمت شين مين آي أداء مؤثر لطبيبة تعاني من ندبات الماضي التعيس واستطاع كيم سونغ كيون إقناع الجمهور بشخصيته الوضيعة والمعقدة.
أما عيوب العمل الفنية فاقتصرت على 3 عيوب، الأول يتضمن الإيقاع البطيء بالحلقة الأولى والثانية مما كاد أن يُفقد الجمهور صبرهم بالبداية، والثاني يتعلق بكيف عولجت الشخصيات النسائية بطريقة هشة ومباشرة بما يخدم الأدوار الذكورية عوضا عن أن تكون الشخصيات متكاملة في ذاتها ولها خطها الدرامي الخاص والعميق.
أما الثالث فيتمحور حول الطريقة السطحية التي ظهرت عليها غالبية الشخصيات ولم نعرف دوافعها أو ماضيها باستثناء قلة منهم مما لم يسمح للجمهور بالتعلّق بهم أو حب بعض منهم وكره آخرين، وهو ما جعل قطاعا من المشاهدين يصرحون بأن من الأفضل لو كان العمل من 8 حلقات وجرى إضافة بعض التفاصيل والعمق للشخصيات لتصبح الحبكة أكثر تماسكا والشخصيات ثرية وقادرة على التطور.
وعن ردود فعل المشاهدين عبر منصات التواصل الاجتماعي فقد تنوعت، إذ حاول بعض متابعي العمل تحليل النهاية التي بدت ملتوية بعد أن فلت البعض دون عقاب في حين عُوقب آخرون بأكثر مما يجب، وهناك من شرعوا يرسمون رسومات توضيحية لشرح العلاقات المعقدة بين الأبطال. في حين وصف آخرون العمل بالدراما المجنونة والمُسببة للقلق، حيث الرقصة الساحرة بين القرارات والعواقب.
إضافة للدراما الكورية
يعتبر مسلسل “كارما” إضافة قيمة لقائمة الدراما الكورية الجنوبية المتميزة في فئة الجريمة والإثارة، على الرغم من الملاحظات حول الإيقاع وتطوير الشخصيات، فإن المسلسل يقدم تجربة مشاهدة آسرة ومثيرة للتفكير بفضل قصته المعقدة، والأداء التمثيلي القوي، والإخراج الفني المتقن.
مسلسل “كارما” قصة شيقة عن الجشع والجزاء الرادع، مناسب لمحبي الإثارة أو عشاق النجم بارك هي سو بطل “لعبة الحبار”، لكنه بالوقت نفسه غير مناسب لمن لا يرغبون بمشاهدة لقطات عنيفة مليئة بالدم والجثث، ولا لمن هم دون 16 عاما كونه يتناول حوادث مثل الاغتصاب والمخدرات.
العمل سريع الإيقاع، ومن أفضل الدراما الكورية التي صدرت بالنصف الأول من العام مما يجعله يحظى بفرصة لتحقيق بعض الأرقام القياسية بالمشاهدة، جدير بالذكر أن العمل لا يقدم أي إجابات بالنهاية بقدر ما يأتي الختام دمويا وفوضويا، وإن كان يحتمل سرده القصصي لأن يكون نواة لسلسلة تتمحور حول الفكرة الرئيسية نفسها بأبطال وقصص مختلفين.
This kdrama karma was the definition of what goes around, comes back around! It was so dark but so well done!!! pic.twitter.com/46fKQqvdzO
— asma (@asmasbooks) May 9, 2025
“كارما” مسلسل كوري قصير من 6 حلقات، مقتبس من قصة “ويب تون” الشهيرة “أكيون” والذي يُترجم عنوانها إلى “علاقة مشؤومة”، تأليف وإخراج إيل هيونغ لي، وبطولة نجوم كوريين معروفين هم بارك هاي سو، شين مين آي، لي هي-جون، كيم سونغ كيون، لي كوانغ سو، وغونغ سونغ يون.