كيف حققت الصين فائضا تجاريا مع العالم بقيمة تريليون دولار؟

حققت الصين فائضًا تجاريًا قياسيًا بلغ حوالي تريليون دولار خلال عام 2025، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز. يأتي هذا الإنجاز على الرغم من استمرار التوترات التجارية والحرب الجمركية مع الولايات المتحدة، مما يعكس قدرة بكين على إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق جديدة وتعزيز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.
وأشار التقرير إلى أن هذا الفائض التجاري غير المسبوق يؤكد مرونة الاقتصاد الصيني وقدرته على التكيف مع التحديات الخارجية. فقد بلغ الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة انخفاضًا ملحوظًا، إلا أن هذا التراجع عوضته زيادات كبيرة في التجارة مع دول في جنوب شرق آسيا وأوروبا، مما ساهم في تحقيق رقم قياسي في الميزان التجاري للسلع.
تطورات الفائض التجاري الصيني وتأثيرها على الاقتصاد العالمي
يُظهر تحليل البيانات الجمركية الصينية ارتفاعًا ملحوظًا في الصادرات، حيث بلغت 3.41 تريليون دولار حتى نوفمبر 2025. ويرجع هذا النمو القوي إلى عدة عوامل، بما في ذلك التقدم التكنولوجي للصين، وزيادة القدرة التنافسية لمنتجاتها، والطلب المتزايد عليها في الأسواق الناشئة.
في الوقت نفسه، حذرت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، من وجود “اختلالات” في العلاقات التجارية للصين، وهو ما سبق أن أشار إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. تعكس هذه التحذيرات المخاوف بشأن تأثير الفائض التجاري الصيني على التوازن الاقتصادي العالمي.
السيارات والبطاريات كمحركات للنمو
أظهر قطاع السيارات نموًا استثنائيًا، حيث ارتفع الفائض التجاري في هذا القطاع بمقدار 22 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا التحول يعكس التقدم الكبير الذي أحرزته الصين في صناعة السيارات الكهربائية، والتي أصبحت الآن رائدة عالميًا.
بالإضافة إلى ذلك، حققت الصين فائضًا تجاريًا كبيرًا في قطاع البطاريات، بلغ 64 مليار دولار خلال نفس الفترة. يعزى هذا الفائض إلى الطلب المتزايد على البطاريات في الأسواق العالمية، مدفوعًا بالتحول نحو السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
توسع التجارة مع جنوب شرق آسيا وأفريقيا
شهدت التجارة بين الصين ودول جنوب شرق آسيا طفرة كبيرة، حيث بلغ الفائض التجاري 245 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الحالي. يعكس هذا النمو المتزايد التقارب الاقتصادي بين الصين ودول المنطقة، والذي يتضمن زيادة الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتصنيع في جنوب شرق آسيا.
كما شهدت التجارة مع أفريقيا نموًا ملحوظًا، حيث ارتفع الفائض التجاري بمقدار 27 مليار دولار مقارنة بعام 2024. وتشمل الصادرات الصينية الرئيسية إلى أفريقيا الآلات والمعدات والمنتجات الاستهلاكية، بينما تستورد الصين من أفريقيا المواد الخام والطاقة.
تحديات داخلية وراء قوة الصادرات
على الرغم من قوة الصادرات، يواجه الاقتصاد الصيني تحديات داخلية متزايدة، بما في ذلك ضعف ثقة المستهلكين وانكماش الأسعار. وقد أدى هذا الانكماش إلى تراجع الواردات، مما يزيد من الضغوط على العلاقات التجارية مع الشركاء التجاريين.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الانكماش في الأسعار يمنح المنتجين الصينيين ميزة تنافسية إضافية في الأسواق العالمية، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية الداخلية. كما يشيرون إلى أن الصين تعمل على تعويض الواردات من خلال زيادة الإنتاج المحلي لبعض السلع، مثل الآلات والروبوتات الصناعية.
وتشير التقديرات إلى أن الفائض التجاري الصيني قد يستمر في الارتفاع في المستقبل، ليصل إلى 1.5 تريليون دولار، إذا لم تتحسن الاستثمارات في الأصول الثابتة، وخاصة في قطاع البناء. ومع ذلك، فإن هذه التوقعات تعتمد على عدد من العوامل غير المؤكدة، بما في ذلك تطورات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والوضع الاقتصادي العالمي، والسياسات الاقتصادية التي ستتبعها الحكومة الصينية.
من المتوقع أن تواصل الصين جهودها لتنويع أسواقها التجارية وتعزيز قدرتها التنافسية في القطاعات ذات التقنية العالية. وستكون هذه الجهود حاسمة في الحفاظ على نموها الاقتصادي وضمان استقرارها المالي في السنوات القادمة. يجب مراقبة تطورات السياسات التجارية الصينية عن كثب، بالإضافة إلى مؤشرات الاستثمار والثقة الاستهلاكية، لتقييم تأثيرها على الاقتصاد العالمي.




