Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

كيف ضربت أزمات الجيش مفهوم الأمن القومي لإسرائيل؟

استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الواسع بقصف غادر ومباغت شمل جميع مناطق القطاع وراح ضحيته المئات من الشهداء والجرحى، وأنهى نحو شهرين من التهدئة، مع ترجيحات بأن يستمر هذا العدوان لفترة ليست بالقصيرة بحسب تصريحات قادة الاحتلال.

وجاء تجدد العدوان في ظل التحقيقات الإسرائيلية بشأن هجوم “طوفان الأقصى” الذي نفذته المقاومة الفلسطينية والتي كشفت عن مدى هشاشة منظومة الأمن الإسرائيلي، وضعف جيش الاحتلال عن خوض حروب طويلة بكفاءة عالية.

كذلك كشفت التحقيقات عن الاتكالية التسليحية على الولايات المتحدة، وضعف الانضباط، ونقص العنصر البشري، إضافة إلى ضعف القدرة على ترميم القدرات اللوجستية والتنظيمية داخل الجيش.

ولا بد من الإشارة إلى أن العدوان الجديد على قطاع غزة، جاء بعد أيام قليلة من تنصيب رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي إيال زامير الذي يملك رؤية مختلفة عن سلفة هرتسي هاليفي في التعامل مع قطاع غزة.

جنود إسرائيليون يبكون في جنازة زميلهم (أسوشيتد برس)

أزمة وجودية

رغم تواصل حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، فإن أزمات مستعصية لا تزال تلاحقه “في ظل تحديات وجودية تواجهها إسرائيل” وفق تعبير وسائل الإعلام الإسرائيلية.

فقد أدت عملية طوفان الأقصى على الصعيد العسكري، إلى إدخال إسرائيل في اختبار وجودي من أبرز نتائجه سقوط المبادئ الخمسة التي يقوم عليها مفهوم الأمن القومي، والتي تتمثل في:

  • الحرب الخاطفة
  •  الحرب الاستباقية
  •  نقل الحرب إلى أرض العدو
  •  منظومة الردع الفاعلة
  •  التفوق الاستخباري والأمني

وحذر معهد الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في ورقة بحثية بعنوان (الأمن القومي لإسرائيل المفهوم الأساسي، والسياسة للسنوات 2025-2026) نشرت في يناير/كانون الثاني الماضي، بأن الحروب الطويلة تحد من قدرة إسرائيل على الاستفادة من الإنجازات العسكرية لتحسين وضعها الإستراتيجي بشكل مستدام.  بسبب ما تفرضه من عبء متزايد على جميع أنواع الموارد.

وأوضح أن هذه الأنواع تمثل في:

  • الموارد البشرية وهم الجنود النظاميون والاحتياط، وعائلات الذين يخدمون في الجيش، والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام).
  • الموارد المادية (الذخائر، وقطع الغيار، والأسلحة).
  • المرونة الاقتصادية.
  • المجتمع المتماسك.
  • الشرعية الدولية والشرعية الداخلية للعمل.

وقد اظهر استطلاع للرأي العام نشر مؤخرا أن نصف الإسرائيليين يرون أن أهم استنتاج من هجوم السابع من أكتوبر وما تبعه، هو تغيير مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.

ومع ذلك، فالجيش الإسرائيلي لا يملك لهذه اللحظة عقيدة قتالية واضحة رغم التغيرات في الأسلوب القتالي الذي أجبر عليه بعد السابع من أكتوبر، بحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس.

ويضيف أبو العدس في حديثه للجزيرة نت أن الجيش تورط في حرب استنزاف طويلة وعدم القدرة على تغطية احتياجات جيشه من الجنود إلا باستدعاء الاحتياط الذي بات هو العمود الفقري والفاعل الرئيسي في الحرب.

وترافق ذلك مع انكشاف الجبهة الداخلية على مخاطر العمليات القتالية في ظل تداخل بين الأهداف العسكرية وتجمعات السكان والمرافق الحيوية والاقتصادية.

أزمة ثقة

واحدة من أهم الأزمات التي تواجه الجيش الإسرائيلي في عهد زامير إعادة الثقة بالجيش خصوصًا، بعد ما كشفته تحقيقات الجيش والشاباك والاستخبارات العسكرية في فشل السابع من أكتوبر.

وبهذا الصدد يقول اللواء احتياط يفتاح رون تال في تصريحات إذاعية إن رئيس الأركان زامير “لديه مهمة ضخمة تتمثل في إعادة بناء الجيش، الذي يعيش أزمة ثقة هي الأكبر في تاريخه، بين القيادة الدنيا والقيادة العليا، وبين الجيش بأكمله والجمهور”.

وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي (INSS) عن انخفاض كبير في الثقة بالجيش، كما نشرت صحيفة معاريف استطلاعا يكشف أن ثقة نصف الجمهور الإسرائيلي تضررت بعد عرض نتائج التحقيقات، التي أجريت بشأن أحداث السابع من أكتوبر.

وأقر وطالب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء (احتياط) تامير هيمان في مقال في 6 مارس/آذار نشرته القناة 12 بحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية لا تثق بهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي وقال إن “هناك شعورا في الحكومة بالحاجة إلى قادة هجوميين آخرين”.

ووفقا للمختص في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس فإنه رغم الإنجازات التكتيكية التي يسوقها الجيش، فإن الثقة فيه بأدنى مستوياتها، في ظل عدم قدرته على حسم المواجهة في غزة بشكل نهائي، وعدم قدرته على تحرير الأسرى الإسرائيليين رغم ما نفذه من مجازر وجرائم حرب وإبادة في غزة.

الدعم الأميركي العسكري كشف عن الاتكالية التسليحية لجيش الاحتلال (أسوشيتد برس)

الاتكالية التسليحية

كما أثبتت الحرب على غزة وعلى لبنان وباقي الجبهات، مدى ضعف القدرة التسليحية للجيش الإسرائيلي، وضعف قدرته على مواصلة خطوط الإمداد بالذخائر، والأسلحة في حرب طويلة.

وبحسب تحقيق عكيفا بيجمان في موقع ميدا الإسرائيلي فإن هجوم حركة حماس أخذ إسرائيل على حين غرَّة، ولم يكن الجيش مستعدا، ولم تكن مستودعات الأسلحة ممتلئة بالكامل، وكانت كميات ذخائر المدفعية والقوات الجوية والدبابات محدودة، ولم يكن لدى الجيش الإسرائيلي قدرة حقيقية على شن هجوم واسع النطاق طوال الوقت.

ونقل بيجمان عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي: “في الأسابيع الأولى من الحرب، شن الجيش الإسرائيلي حملة قصف واسعة النطاق استنفدت مخزون الذخيرة بشكل كبير، وكانت الضغوط النفسية للجنود سببا رئيسا فيها، فقد كانوا خائفين بشدة، وكان القصف غير منطقي وغير صحيح وتسبب في إهدار كبير للذخائر. مما ألحق هذا الضرر بنا طوال الطريق”.

وأجبر الجيش الإسرائيلي، بسبب النقص في ذخائر القوات الجوية، إلى سلسلة من الارتجاليات في الميدان، وكان من أبرزها استخدام ناقلة جنود مدرعة من طراز M113 قديمة الطراز، مليئة بالمتفجرات ويتم سحبها بواسطة جرافة آلية من طراز D9 يتم التحكم فيها عن بعد.

وخلال القتال، وبعد استنفاد المخزونات الإسرائيلية، بدأت الذخيرة تصل إلى إسرائيل من الخارج. وهنا تم اكتشاف مشكلة خطيرة بشكل خاص: ففي كثير من الأحيان كانت هذه الذخيرة معيبة. على سبيل المثال، كانت بعض قذائف الدبابات التي وصلت من الولايات المتحدة غير صالحة للاستخدام وغير مناسبة للقتال في غزة.

ويشير ضابط أركان في أحد الألوية النظامية إلى وجود مشاكل في ذخيرة الدبابات التي وصلت من ألمانيا: “كان بعضها في الواقع ذخيرة معيبة انفجرت بعد 300 متر إضافة للمواد المتفجرة التي وصلت من الهند، إضافة للمشكلة في ذخائر القوات الجوية، التي كان الفشل في إصابتها الأهداف بدقة، يصل إلى 30-40%”.

واعتبر المختص في الشؤون العسكرية أسامة خالد في حديثه مع الجزيرة نت أن كل “قرار إستراتيجي تقريبا في هذه الحرب مرتبط بطريقة أو بأخرى بقضية التسلح”.

ويضيف أنه “في كل من هذه المنعطفات الإستراتيجية، كانت قضية التسلح تشكل محورا أساسيا في عملية صنع القرار، وفي جميع الأحوال، أدى الاعتماد الواضح على الإمدادات الأميركية إلى زيادة الاعتماد بشكل كبير على سياسة البيت الأبيض وقدرة إدارة الرئيس السابق جو بادين على إملاء تحركاتها العسكرية على إسرائيل”.

زامير (يسار) يسعى للالتصاق بشكل كبير في المستوى السياسي في إسرائيل (غيتي- أرشيف)

إرضاء السيد السياسي

يواصل رئيس الأركان الجديد، الفريق إيال زامير، سعيه لإرضاء سيده السياسي، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حسب افتتاحية صحيفة هآرتس.

وقالت الصحيفة إن عهد زامير يبشر بتطهير القيادة السياسية من مسؤوليتها الجسيمة عن فشل السابع من أكتوبر، وتركيز اللوم على القيادة العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان المتقاعد، هرتسي هاليفي.

وقرر زامير إن إبطال تحقيقات الجيش التي أُجريت في عهد هاليفي ثمّ أقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانيال هاغاري الذي بدا مستقلا للغاية في نظر رئيس الوزراء ونائبه، وزير الدفاع يسرائيل كاتس.

وحذر الخبير العسكري عاموس هرائيل في صحيفة هآرتس 14 مارس/آذار من أن الشكوك تزداد ضد مصداقية زامير “فبدلا من أن تقف هيئة الأركان العامة على موقفه ويوضح استقلاليتها المهنية، بدأت الشكوك تتزايد في أن تغيير الحرس في القمة العسكرية ينطوي على استمالة متحمسة أكثر من اللازم لكسب تعاطف اليمين”.

ورجح المختص في الشؤون العسكرية أسامة خالد أن زامير سيكون حريصا على الالتصاق بالمستوى السياسي وعدم إظهار أي حالة ندية مع شخص نتنياهو، كما سيحاول كسب ود الحاخامات وعدم الاصطدام بهم، ومعالجة وضعهم بالجيش وفق توافق مباشر معهم.

إستراتيجية جديدة

ويواجه زامير صعوبة في وضع خطة إستراتيجية جديدة في ظل المستجدات التي وقعت بعد السابع من أكتوبر على مستوى تغير أساليب القتال والاحتياجات البشرية، واللوجستية، ليتمكن من بناء جيش كبير وأوسع نطاقا كي يتناسب مع متطلبات نظرية الحرب الجديدة التي تقوم على الاستعداد لحرب متزامنة في عدة جبهات دفعة واحدة. وهذا بخلاف أسلافه في المنصب ممن عملوا وفق نظرية “جيش صغير وذكي”.

وطالب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء (احتياط) تامير هيمان بأنه يتعين على رئيس الأركان أن يكتب وثيقة “إستراتيجية الجيش الإسرائيلي” الجديدة، ويجب أيضا نشرها للعامة، كما حدث في عام 2015، وهذه ليست مجرد أوراق، بل هو إطار مفاهيمي متفق عليه يخضع للنقاش العام.

وبحسب الخبير أسامة خالد فإن زامير سيجد نفسه مرغمًا على صياغة خطة إستراتيجية جديدة، بعكس هاليفي الذي بنى خطته (معالوت) التي تعني التفوق باعتبارها طبقة إضافية على خطة (تنوفا) التي تعني الزخم التي صاغها سلفه أفيف كوخافي وليس بديلا عنها.

وهذا تحد أكبر قد يأخذه للنظر بشكل أعمق للعقيدة العسكرية الإستراتيجية لجيش الاحتلال وكذلك للعقيدة الأمنية لإسرائيل برمتها، وإمكانية إجراء تعديلات عليها، خاصة وأن طوفان الأقصى قد أسقط هذه الخطط.

نقص الجنود

وتناول تقرير مفصل سابق للحزيرة نت الأزمة غير المسبوقة التي يعانيها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى المتمثلة بنقص الجنود، والتي تضغط بشدة على موارده وقدرته على التحرك في ظل اتساع ساحات المواجهة.

وقد قدرت شعبة العمليات في جيش الاحتلال حسب تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل دخلت سنوات من نقص القوى البشرية، لم تشهدها منذ حربها في جنوب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.

وأقر الجيش الإسرائيلي في نهاية العام الماضي 2024 بأن المئات من جنود الوحدات الهندسية قتلوا وأصيبوا خلال القتال الطويل، مشددا على أن هذه الوحدات لم تعد موردًا لا ينضب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى