كيف غيرت رسوم ترامب مشهد التجارة العالمية في عام 2025؟

أطلقت الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان من العام الجاري، فيما وصفه “بيوم التحرير”، موجة واسعة من التغييرات في مشهد التجارة العالمية، وأسفرت عن اتفاقات تجارية جديدة مع أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تظل هذه الرسوم الجمركية وتداعياتها في صدارة المشهد الاقتصادي خلال عام 2026، مع مواجهة تحديات كبيرة وتطورات محتملة تؤثر على الاقتصاد العالمي.
وتشير التقديرات إلى أن سياسات ترامب التجارية رفعت متوسط معدل الرسوم الجمركية إلى ما يقرب من 17%، بعد أن كان أقل من 3% في نهاية عام 2024. تهدف هذه السياسات بشكل أساسي إلى إحياء قطاع التصنيع الأميركي وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي، لكنها أثارت جدلاً واسعاً وردود فعل متباينة على الصعيد الدولي.
إيرادات ضخمة للخزانة الأميركية وتأثيرها على الميزان التجاري
أفادت تقارير مالية لمختبر الميزانية بجامعة ييل الأميركية أن الرسوم الجمركية تدر حالياً إيرادات تقدر بنحو 30 مليار دولار شهرياً للخزانة الأميركية. وقد ساهمت هذه الإيرادات بشكل ملحوظ في خفض العجز في الميزان التجاري الأميركي، الذي انخفض بنسبة 10% بحلول نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، ليصل إلى 52.8 مليار دولار، وهو الأدنى منذ عام 2020.
وعلى الرغم من هذه النتائج الإيجابية، يرى بعض المحللين أن هذه الإيرادات قد تكون مؤقتة، وأن الاعتماد عليها قد يعيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل. كما أن خفض العجز في الميزان التجاري لا يعني بالضرورة تحسناً في الوضع الاقتصادي العام، بل قد يكون نتيجة لتباطؤ الاستيرادات والتصديرات على حد سواء.
الاتفاقيات التجارية الجديدة وردود الفعل الدولية
دفعت الرسوم الجمركية قادة العالم إلى الإسراع نحو واشنطن سعياً إلى إبرام اتفاقيات لخفض الرسوم، مقابل تعهدات باستثمارات بمليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة. وقد تم التوصل إلى اتفاقيات إطارية مع مجموعة من كبار الشركاء التجاريين لواشنطن، من بينهم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ودول أخرى.
لكن هذه الاتفاقيات لم تخلُ من الانتقادات، حيث اعتبر البعض أنها مجرد تنازلات من جانب الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وأنها لا تعكس مصالحهم الحقيقية. كما أن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي أثار جدلاً واسعاً، حيث وافق الاتحاد على فرض رسوم جمركية على صادراته إلى الولايات المتحدة مقابل الحصول على تعهدات باستثمارات أميركية في أوروبا.
الصين والغموض المستمر
لا يزال ملف الصين هو الأكثر تعقيداً في سياسة ترامب التجارية. فلم يتم التوصل بعد إلى اتفاقية نهائية بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من جولات متعددة من المحادثات واللقاءات المباشرة بين ترامب وشي جين بينغ. واستمر الفائض التجاري للصين في تجارتها مع الولايات المتحدة ليتجاوز تريليون دولار، مما يعكس قدرة الصين على التكيف مع الرسوم الجمركية والحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.
وتشير التقارير إلى أن الصين استخدمت نفوذها في سوق المعادن النادرة لمواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية، مما أظهر أهمية هذه المواد الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي. كما أن الصين تعمل على تنويع تجارتها بعيداً عن الولايات المتحدة، من خلال تعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
توقعات النمو العالمي وتأثير الرسوم
على الرغم من المخاوف الأولية، لم تشهد الولايات المتحدة كارثة اقتصادية أو ارتفاعاً حاداً في التضخم بسبب الرسوم الجمركية. بل إن الاقتصاد الأميركي شهد انكماشاً متواضعاً في الربع الأول من عام 2025، ثم تعافى بسرعة بفضل الطفرة الاستثمارية في قطاع الذكاء الاصطناعي والإنفاق الاستهلاكي القوي.
ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي مرتين في الأشهر التي تلت إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، مما يعكس تحسناً في الثقة الاقتصادية وتراجع حالة الضبابية. ومع ذلك، لا يزال التضخم في الولايات المتحدة مرتفعاً إلى حد ما، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع في الأشهر المقبلة.
مستقبل الرسوم الجمركية: تحديات وفرص
يظل مستقبل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب غير واضحاً. فقد بدأت المحكمة العليا في الولايات المتحدة في النظر في الطعن على الأساس القانوني لهذه الرسوم، ومن المتوقع صدور قرار بشأنها في أوائل عام 2026. إذا قضت المحكمة بعدم دستورية هذه الرسوم، فقد تضطر إدارة ترامب إلى إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها أو التخلي عنها.
بالإضافة إلى ذلك، ستخضع اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك للمراجعة في عام 2026، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ترامب سيسمح بانتهاء الاتفاقية أو سيحاول إعادة صياغتها. ومن المتوقع أن تكون هذه المراجعة فرصة لتعزيز التعاون التجاري بين الدول الثلاث، أو قد تؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية.
بشكل عام، من المتوقع أن يشهد عام 2026 تطورات كبيرة في مجال التجارة العالمية، وأن تكون الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب هي المحرك الرئيسي لهذه التطورات. وسيتعين على الشركات والحكومات التكيف مع هذه التغييرات والاستعداد لمواجهة التحديات والفرص التي ستنشأ.





