كيف هيمنت آبل لأعوام على قطاع الحواسيب اللوحية؟
في الربع الثاني عام 2010 طرحت “آبل” الجيل الأول من حواسيبها اللوحية “آيباد”، ورغم أن فئة الحواسيب اللوحية لم تكن رائجة في ذاك الوقت فضلا عن وجود منافسين من شركات أخرى، إلا أن حاسوب “آبل” اللوحي تربع على عرش مبيعات الحواسيب اللوحية في وقت قياسي عبر أكثر من 7 ملايين وحدة مباعة في أقل من عام واحد.
واليوم بعد مضي 14 عاما على تلك اللحظة، ما زالت “آبل” متربعة على عرش الحواسيب اللوحية عبر العديد من الإصدارات في مختلف الفئات، ومثلما كان الأمر وقتها، تحاول الشركات منافستها بدون جدوى، ليتضاعف الفارق بين حواسيب “آيباد” والمنافسين مع كل إصدار جديد، ولكن، كيف تمكن “آيباد” من الوصول إلى هذه المكانة؟ وهل يمكن زحزحته من عرشه؟
سيطرة فورية على الحواسيب اللوحية
لم تكن فكرة الحواسيب اللوحية أمرا مبتكرا بالكامل، إذ وجد عدد من المنافسين في الوقت ذاته من عام 2010 مع حواسيب “آيباد” على غرار أول حاسوب لوحي من “سامسونغ” بحجم 7 بوصات فضلا عن حواسيب من “آيسر” و”توشيبا” و”إتش بي”، لكن حاسوب “آبل” اللوحي كان مختلفا تماما عنهم.
ويظهر تفرد الجيل الأول من “آيباد” منذ اللمسة الأولى، إذ لم تكن تشعر بأنك تمسك جهازا مقتبسا من جهاز آخر، بل كان جهازا منفردا بذاته لا يشبه أي شيء آخر تقدمه “آبل” مع حفاظه على لغة التصميم ذاتها، وعلى عكس حاسوب “سامسونغ” اللوحي الذي كان يبدو هاتفا أكبر في الحجم أو حواسيب “توشيبا” و”إتش بي” التي كانت تبدو كحواسيب محمولة تحولت إلى أجهزة لوحية، كان “آيباد” أسهل وأبسط في الاستخدام، ولكن هذا لم يكن الفارق الوحيد بين هذه الأجهزة.
وجسدت حواسيب “آيباد” مفهوم “آبل” في تصميم منتجاتها، إذ كانت تلبي احتياج المستخدم بشكل مباشر حتى وإن لم يكن المستخدم مدركا لهذه الحاجة، ورغم تشاركه في مزايا عديدة مع هواتف “آيفون”، إلا أنه وبشكل ما كان يقدم تجربة مختلفة ومنفردة.
ونجحت الشركة في المزج بين حجم الشاشة الكبير عند 9.7 بوصات مع الهيكل المعدني الفاخر وواجهة صديقة للمستخدم تقدم له ما يحتاجه إلى آلية تحكم سلسلة وقوة كانت تبدو خارقة في وقتها، لذا وفي وقت قصير، استحوذ الجيل الأول من “آيباد” على مبيعات قطاع الحواسيب اللوحية الناشئ عبر أكثر من 32 مليون وحدة مباعة عام 2011 من أصل 39 مليون وحدة مباعة لمختلف أنواع الأجهزة اللوحية.
ولم يقتصر النجاح الذي حققته أجهزة “آيباد” على الجماهير فقط، بل امتد إلى النقاد والقادة في “آبل”، وربما كانت ردة فعل جوني إيف مصمم أجهزة الشركة وقتها هي التعبير الأمثل على هذا النجاح، إذ تحدث بشغف غير مسبوق عن الجهاز مع دهشة انعكست على اتساع عينيه، وهو الشعور ذاته تشارك فيه سكوت فورستال مهندس البرمجيات الذي طور نظام “آبل”، كما وصف موقع “بي سي ماج” الجهاز في مراجعته عام 2010 بأنه “يغير قواعد اللعبة”.
هيمنة مستمرة حتى اليوم
استمرت هيمنة “آبل” على هذا القطاع طوال 14 عاما رغم ظهور واندثار العديد من المنافسين بدءا من حواسيب “غالاكسي تاب” مرورا بحواسيب “نيكسس” المندثرة من “غوغل” وصولا إلى حواسيب “هواوي” اللوحية الجديدة، وبينما تأثرت مبيعات “آيباد” قليلا بهؤلاء المنافسين، إلا أنه ظل متربعا على عرشه حتى وصل اليوم إلى 550 مليون وحدة مباعة منذ صدوره أول مرة.
وفي الوقت الحالي، تهيمن “آبل” بمفردها على 50% من إجمالي مبيعات الحواسيب اللوحية في الولايات المتحدة و35% من إجمالي المبيعات حول العالم بفارق يصل إلى الضعف عن أقرب منافسيها “سامسونغ” التي لم تستطع بيع إلا 6 آلاف وحدة في الربع الأول من هذا العام مقارنةً مع 12 ألف وحدة من نصيب “آبل”، وذلك وفق التقرير الأخير من شركة “كاناليس” (Canalys) للإحصائيات.
الخلطة السرية لنجاح “آيباد”
تحقق حواسيب “آيباد” رغبات المستخدمين مهما كانت؛ لذا نجحت في الماضي وتستمر في النجاح الآن، وبينما كانت سابقا تخلق الحاجة لدى المستخدم ثم تلبيها، فإنها الآن أصبحت قادرة على توقع رغبات المستخدم وتلبيتها سريعا عبر معدل إصدار أسرع من السابق.
وتمتلك حاليا “آبل” عدة طرز متاحة من حواسيب “آيباد” بدءا من الحواسيب مفرطة القوة المتمثلة في “آيباد برو” بحجميه، وحتى الحواسيب الاقتصادية المتمثلة في “آيباد” الضعيفة التي تباع بسعر 350 دولار، ويبرز هذا التنوع أيضا في المواصفات التقنية لكل حاسوب، إذ تقدم طرز “برو” قوة المعالج المفرطة مع أفضل أداء للشاشة ومساحات تخزين كبيرة، وأما لمن يرغب في حاسوب قوي وبسعر أفضل قليلا، فإن “آيباد آير” بحجميه يحقق هذه المعادلة، وفي حالة كنت تبحث عن حاسوب لوحي صغير الحجم، فإن “آيباد ميني” موجود لك وهذا فضلا عن حواسيب “آيباد” الاقتصادية.
وعندما انتقل العالم إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي وأصبحت كافة الشركات تتباهى بها، أعلنت “آبل” عن حواسيب “آيباد برو” مع معالج “إم 4” (M4) الذي يعد الأقوى من الشركة والمجهز لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتتفوق بذلك هذه الحواسيب اللوحية النحيفة للغاية على بعض الحواسيب المكتبية والمحمولة، وبينما ركضت الشركات لتقديم طرز مخصصة للألعاب من منتجاتها سواء كانت هواتف أو حواسيب لوحية، أبت “آبل” أن تترك الفرصة، لذا دعمت الألعاب بمختلف أنواعها عبر جميع إصدارات حواسيبها، لتصبح جهاز الألعاب المحمول المثالي، ثم ألحقتها بمجموعة من الملحقات الخارجية التي تحول “آيباد” إلى الشيء الذي تبحث عنه، سواء لوحة مفاتيح خارجية أو قلم ذكي مبتكر، وبالتالي أصبحت حواسيب “آيباد” جزءا أساسيا من جميع المقارنات الباحثة عن أفضل “قيمة مقابل سعر” أو أفضل “جهاز للاستخدام المتخصص أو العام”.
وحاصر تنوع أجهزة “آيباد” المستخدمين من كافة الجهات، وبفضل التوافق المذهل بين كافة منتجات “آبل” أصبح هو الخيار الأول لكل من يملك هاتف “آيفون” أو حاسوب “ماك”، ومع الدعم المستمر من الشركة للمطورين وتخصيص التطبيقات له، خرج “آيباد” من عباءة منتجات “آبل” الأخرى ليصبح جهازا خارقا بمفرده يمكن اقتناؤه وسط أي أجهزة أخرى سواء كانت “ويندوز” أو “أندرويد”.
من ينزع عرش “آيباد”؟
لا يمكن الحكم على المستقبل وتحديد شركة بعينها قادرة على نزع هيمنة “آبل” على هذا القطاع الذي حققت منه أرباحا وصلت إلى 9.39 مليارات دولار، ولكن يبدو أن حاجة المستخدمين قد تبتعد قليلا في السنوات المقبلة، ولا يعد هذا ابتعادا عن “آيباد” لصالح حاسوب لوحي آخر، بل يمكن القول إنه ابتعاد عن قطاع الحواسيب اللوحية بشكل عام.
وفي الأعوام الماضية، ظهر منافس قوي أمام الحواسيب اللوحية، وهو الهواتف القابلة للطي كبيرة الحجم، إذ توفر هذه الهواتف تجربة قريبة من تلك التي يقدمها “آيباد” ولكن في جهاز هجين يعمل كهاتف أو حاسوب لوحي إذا دعت الحاجة، ويعزز انخفاض مبيعات الحواسيب اللوحية بشكل عام من هذه النظرية.
ورغم ذلك، فإن الفرصة ما تزال أمام الشركات التي تستخدم نظام “أندرويد” لتطوير منتجاتها بشكل قادر على نزع عرش “آيباد”، وهذا في حال تمكنت من تخصيص البرمجيات للاستخدام مع الحواسيب اللوحية بشكل ينافس “آبل” فضلا عن تقديم دورة دعم كبيرة لهذه الحواسيب، إذ تنفرد “آبل” بدعم يصل إلى 10 سنوات لحواسيب “آيباد” مقارنةً مع عامين ونصف لحواسيب “أندرويد” المحمولة.
“هواوي” قد تكون الشركة الأقرب لهذه المنافسة، وذلك لأنها مؤخرا تعمل على تطوير نظامها بشكل يحاكي أنظمة “آبل” في الدعم والتوافق بين المنتجات المختلفة، وربما تعطلت هذه المسيرة قليلا بسبب الحظر الأميركي على وصول الشركة للشرائح، إلا أنها لم تخرج من السباق تماما.
وتشير الشائعات إلى أن “آبل” تخطط لطرح حاسوب “آيباد” قابل للطي، وإذا استطاعت الشركة القيام بذلك، فإن هذا يعني تغلبها على المنافسين كافةً وتعزيز مكانة “آيباد” كحاسوب رائد وقياسي في قطاع الحواسيب المحمولة، لذا يمكن القول إن إجابة التساؤل عن عرش الحواسيب اللوحية مستقبلا تكمن في تقديم الشاشات القابلة للطي ودمجها مع المنتجات بشكل أفضل وأكثر استدامة.