كيف يتعامل أهالي جنوب لبنان مع التهديدات الإسرائيلية المستمرة؟

جنوب لبنان – في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية في جنوب لبنان وشرقه، امتدت من تلال الخردلي إلى مرتفعات إقليم التفاح وصولاً إلى أطراف البقاع الغربي. هذه الضربات المتكررة، والتي يبررها الاحتلال باستمرار، تثير مخاوف متزايدة من تصعيد محسوب، وتلقي بظلالها على حياة السكان المحليين وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل المنطقة. وتتركز المخاوف حول استمرار هذا التصعيد وتأثيره على الاستقرار الإقليمي، خاصة مع الحديث عن خطط عسكرية إسرائيلية محتملة.
تقول زهراء راضي، من بلدة حولا، إن الخوف لا ينبع من اندلاع حرب جديدة بقدر ما هو هاجس بفقدان الأرض والذكريات المرتبطة بها. بالنسبة لأهالي الجنوب، الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل هي هوية جماعية وصمود على مر العقود، وهي جزء لا يتجزأ من تاريخهم وحياتهم.
التصعيد الإسرائيلي وتأثيره على جنوب لبنان
يواصل الجيش الإسرائيلي تبرير غاراته، مدعياً استهداف “مجمعات تدريب وتأهيل” تابعة لوحدة قوة الرضوان التابعة لحزب الله. هذه الرواية لم تشهد تغيراً ملحوظاً، وتترافق مع نبرة تهديد متصاعدة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، الذين يتهمون الحزب بمحاولة إعادة ترميم قدراته العسكرية. وتأتي هذه التطورات في ظل حالة من الترقب الحذر، مع اقتراب موعد اجتماع لجنة وقف الأعمال العدائية “الميكانيزم” الأسبوع المقبل.
تثير هذه الغارات قلقاً بالغاً لدى السكان المحليين، الذين يعبرون عن خشيتهم من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية. فاطمة شعيب، من بلدة مركبا الحدودية، تؤكد أن القلق الأكبر يتعلق بفقدان ذكريات الأجداد، فالأرض ليست مجرد مصدر رزق، بل هي امتداد للهوية والانتماء. على الرغم من الغارات والضغوط المتواصلة، يفضل أهالي مركبا البقاء في أراضيهم، حتى لو اقتضى الأمر مواجهة صعوبات جمة.
الخطة العسكرية الإسرائيلية المحتملة
تتزامن هذه التطورات مع تسريبات إعلامية إسرائيلية تشير إلى أن جيش الاحتلال قد أنهى خطة لهجوم واسع يستهدف مواقع تابعة لحزب الله. لكن تنفيذ هذه الخطة يبقى مشروطاً بفشل جهود تفكيك سلاح الحزب قبل نهاية العام الجاري، وهو ما يضع لبنان أمام مهلة زمنية وضغط أمني متزايد. وتشير التقارير إلى أن الخطة تتضمن سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك عمليات برية وجوية واسعة النطاق.
في المقابل، تواصل الحكومة اللبنانية جهودها لتنفيذ “خطة حصر السلاح بيد الدولة” في منطقة جنوب نهر الليطاني، تمهيداً لتوسيع نطاقها إلى مناطق أخرى. وتؤكد الحكومة أن هذه الخطوة تهدف إلى الالتزام بالقرارات الدولية وتجنب انزلاق البلاد نحو مواجهة عسكرية شاملة. لكن هذه الخطة تواجه تحديات سياسية وأمنية كبيرة، خاصة مع رفض حزب الله التعاون في هذا الإطار.
تحذيرات دولية ومخاوف من التصعيد
أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن حصر السلاح جنوب الليطاني سيتم قبل نهاية العام الجاري، وأن الخطة ستشمل بقية المناطق اللبنانية بحلول نهاية العام المقبل. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا المسار يواجه عقبات كبيرة، وأن نجاحه يعتمد على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.
كشف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي عن تلقي بيروت تحذيرات من جهات عربية ودولية بشأن استعداد إسرائيل لشن عملية عسكرية واسعة ضد لبنان. وأوضح أن الدولة تكثف اتصالاتها الدبلوماسية لتحييد لبنان عن أي ضربة محتملة، مشدداً على أن اجتماعات لجنة “الميكانيزم” لا تعني الدخول في مفاوضات مباشرة مع تل أبيب، بل تهدف إلى إعادة تفعيل اتفاقية الهدنة.
ويرى رجي أن سلاح حزب الله لم يثبت فعاليته في حماية لبنان أو دعم القضايا الإقليمية، مؤكداً أن الدولة تحاول حوار الحزب لإقناعه بتسليم سلاحه. لكن هذه الجهود لم تحقق حتى الآن أي نتائج ملموسة.
الوضع الإنساني وتحديات الحياة اليومية
لا تقتصر آثار التصعيد على الجانب الأمني والسياسي، بل تمتد لتشمل الوضع الإنساني والمعيشي في جنوب لبنان. يعاني السكان المحليون من صعوبات جمة في الحصول على الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يعيشون في حالة خوف دائم من الغارات الإسرائيلية، مما يؤثر على صحتهم النفسية وقدرتهم على ممارسة حياتهم الطبيعية.
في بلدة ميس الجبل، يعبر زهر الدين عن قلقه من استمرار التصعيد وتأثيره على مستقبل المنطقة. ويؤكد أن الخيار الأفضل هو التفاوض والحلول السياسية، لكنه في الوقت نفسه يستبعد إمكانية استسلام لبنان للضغوط الإسرائيلية.
عناية خليل، من ميس الجبل أيضاً، تعيش حالة من القلق الدائم، لكنها ترفض مغادرة منزلها وأرضها. وتقول إنها والأهل يلتزمون البيوت طالما بقي الخطر بعيداً، لكنهم يلجأون إلى منطقة قريبة من مواقع قوات الطوارئ الدولية عند اقتراب التهديدات. وتعبر عن خشيتها من تكرار الخسائر التي تكبدتها العائلة في الماضي.
مع استمرار التوتر وتصاعد التهديدات، يبقى الوضع في جنوب لبنان هشاً وغير مستقر. من المتوقع أن يعقد اجتماع لجنة “الميكانيزم” الأسبوع المقبل، وقد يكون هذا الاجتماع فرصة لتهدئة التوتر وتجنب التصعيد. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على إرادة الأطراف المعنية والالتزام باتفاقية الهدنة. ما سيحدث بعد ذلك، وما إذا كانت الخطة العسكرية الإسرائيلية ستنفذ أم لا، يظل أمراً غير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة وتدخلات دبلوماسية فعالة.





