كيف يخفف الأكل البطيء من القلق والتوتر؟.. “الدماغ الثاني” يقدّم الإجابة

يشهد الكثير من الأشخاص في العصر الحديث مستويات متزايدة من القلق والتوتر، وقد كشفت دراسات حديثة عن علاقة وثيقة بين وتيرة تناول الطعام والحالة النفسية. ووفقًا لأخصائية طب الأعصاب الدكتورة مارينا ديجيكيا، فإن الإسراع في تناول الطعام أو الاعتماد على الوجبات السريعة يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية ويساهم في ارتفاع معدلات التوتر. هذا الأمر يستدعي إعادة النظر في عاداتنا الغذائية وتأثيرها على صحتنا العامة.
أظهرت الأبحاث أن سرعة الأكل ليست مجرد مسألة تتعلق بالهضم، بل تمتد لتشمل وظائف الدماغ والمزاج. وقد حذرت ديجيكيا من أن هذه العادات الغذائية قد تكون منتشرة بشكل خاص في دول الخليج العربي بسبب نمط الحياة السريع. وتشير التقارير إلى أن هذه المسألة بدأت تحظى باهتمام متزايد من المختصين في الصحة النفسية والتغذية.
الأكل السريع والقلق: محور الدماغ والأمعاء
العلاقة بين سرعة تناول الطعام والقلق معقدة وتستند إلى ما يُعرف بمحور الدماغ والأمعاء. فالأمعاء تحتوي على ملايين الخلايا العصبية، مما يجعلها تعتبر بمثابة “دماغ ثانٍ” يتواصل باستمرار مع الدماغ المركزي. هذا التواصل يؤثر بشكل كبير على المزاج والراحة النفسية، وفقًا لديجيكيا.
عملية الهضم والرسائل الدماغية
يبدأ الهضم في الفم، حيث أن المضغ الجيد للّقمة يهيئ الجهاز الهضمي لإتمام عمله بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، يرسل المضغ إشارات إلى الدماغ تُنبّهه بقدوم الطعام، مما يساعد على تنظيم عملية الهضم وإعداد الجسم لاستقبال الطاقة.
في المقابل، يؤدي الأكل السريع وابتلاع الطعام دون مضغ كافٍ إلى إرباك الجهاز الهضمي وإرسال إشارات غير منتظمة إلى الدماغ. هذه الإشارات المتضاربة يمكن أن تساهم في الشعور بالتوتر والقلق، إذ يفسر الدماغ الأمر على أنه حالة من عدم اليقين أو الضغط.
تأثير الكربوهيدرات وارتفاع السكر في الدم
الأكل بسرعة، خاصةً عندما يتضمن كميات كبيرة من الكربوهيدرات، يمكن أن يتسبب في ارتفاع مفاجئ في مستويات السكر في الدم. يتبع هذا الارتفاع انخفاض سريع في السكر، مما يؤدي إلى تقلبات مزاجية، وشعور بالتهيج، وحتى نوبات قلق حادة. هذه التقلبات في مستويات السكر يمكن أن تعطل التوازن الكيميائي في الدماغ، مما يزيد من خطر الإصابة بالقلق.
كما أن الاستعجال في تناول الطعام يخدع آلية الشبع الطبيعية. فإحساس الشبع يستغرق عادةً من 10 إلى 20 دقيقة حتى يظهر، مما يعني أن الشخص قد يستهلك كميات أكبر من الطعام قبل أن يدرك أنه يشعر بالشبع. هذا الإفراط في تناول الطعام يسبب ثِقلاً وانتفاخًا في المعدة، وهو ما يفسره الجسم على أنه ضغط نفسي، مما يزيد من الشعور بالقلق.
الفوائد الصحية لتناول الطعام ببطء
على النقيض من الأكل السريع، فإن تناول الطعام ببطء له تأثيرات فسيولوجية مباشرة تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتعزيز الصحة النفسية. تؤكد ديجيكيا أن تبني هذه العادة يمكن أن يحسن بشكل ملحوظ جودة الحياة.
أحد أبرز هذه التأثيرات هو تنشيط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، المسؤول عن الاسترخاء والهضم. هذا التنشيط يساعد على تهدئة الجسم والعقل، وتقليل الشعور بالتوتر. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تناول الطعام ببطء في تقليل إفراز هرمون الكورتيزول، وهو الهرمون المرتبط بالتوتر والقلق.
يعزز الأكل ببطء أيضًا اليقظة الذهنية والانتباه لإشارات الجوع والشبع الطبيعية. هذا يساعد على تجنب الإفراط في تناول الطعام والالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن. كما أن التركيز على الوجبة يساعد على الابتعاد عن التفكير القَلِق والتمتع بلحظة هدوء وراحة.
نصائح عملية لتناول الطعام ببطء
تقترح ديجيكيا أربع خطوات بسيطة لتعلم الأكل ببطء: أولاً، أخذ نفس عميق قبل البدء بالطعام لتهدئة الجهاز العصبي. ثانيًا، إبعاد الأجهزة الإلكترونية والتركيز الكامل على الوجبة لتجنب المشتتات. ثالثًا، مضغ كل لقمة من 20 إلى 30 مرة لتحسين عملية الهضم وتفعيل إشارات الشبع. وأخيرًا، وضع أدوات المائدة على الطاولة بين اللقمات لتقليل الإيقاع وتشجيع الوعي بالطعام.
التحول نحو تناول الطعام ببطء قد يكون تحديًا في البداية، ولكنه استثمار حقيقي في الصحة النفسية والجسدية. تحويل تناول الطعام إلى لحظة هدوء يومية يمكن أن يجعله مساحة صغيرة للسكينة، ويساهم في تحسين الهضم وتقليل القلق.
من المتوقع أن تزداد الأبحاث حول العلاقة بين التغذية والصحة النفسية في الفترة المقبلة. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتطوير برامج توعية حول أهمية الأكل الواعي والبطيء. يجب مراقبة تطورات هذه الأبحاث والبرامج لتقديم أفضل النصائح والإرشادات للمحافظة على صحة جيدة.





