لسنا بحاجة إليهم
ألقيت نظرة على الكتب المرصوصة أمامي، قرأت أسماء من كتبوها ومحتواها، والأزمان التي عاشوا فيها، والسير الذاتية لبعضهم، فما وجدت إلا إخلاصاً يتبع جهداً وسهراً وعناء سفر، وبحثاً عن كلمة قيلت أو حديث روي وتناقلته أجيال تلو أجيال، وحرب ضروس من المتنفذين، وأصحاب الفكر المدسوس، وسجون دخلها أئمة، يقابلها ثبات وتمسك بالحق، وإقناع مع نية صافية لم ترد غير الخير لأمة تواجه حملات مسعورة، لا تتوقف، ولا تهدأ، من بقايا المتأثرين بأفكار أمم زالت واندثرت.
اسم واحد من أسماء الذين أثروا مكتباتنا بعلمهم وفكرهم يساوي كل المتطاولين الذين يعتقدون بأنهم قادرون على النفاذ إلى إرثنا العظيم.
وكتاب واحد من كتب الأئمة والعلماء والمتفقهين في الدين والمفكرين ومن تبعوهم يساوي كتب الإخوان والمتكونين، وكل من ظنوا أن الشذوذ عن مسار الأمة سيجعل لهم قيمة ومكانة.
هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا فكراً عربياً جديداً ليسوا أهلاً لهذه المهمة العظيمة، من جميع النواحي، من علمهم ليسوا إلا أصفاراً، ومن سلوكهم الموثق لم ينالوا غير النبذ والانزواء، وحتى فكرهم مرفوض لأنه قائم على دعوات مشبوهة تحت مظلة «الليبرالية»، تلك التي صدرها لنا الغرب، وهدفها تعرية المجتمعات من قيمها الدينية والأخلاقية، وإعادة البشر إلى عهود مذمومة في الكتب السماوية، ليبرالية مطلقة تهدم ولا تبني، وهذا الغرب أمامنا، نراه ونتفكر في حاله، ونتساءل عن الذين أوصلوه إلى هذه الحالة في آخر 70 سنة، حتى أباح ما كان محرماً، وحبب إلى ناسه ما كان مرفوضاً، وهو – أي الغرب – يريد أن ينقل أمراضه الفكرية إلى بلادنا، ولم يجد غير ضعاف النفوس، من يعيشون على هبات المانحين التابعين للمحافل السرية!
هذه أمة عظيمة بفكرها وتراث المخلصين من أبنائها، ليست بحاجة إلى خوارج مثل الإخوان أو منحرفين يطعنون في ثوابتها مثل من يطرحون «تكوين فكر عربي جديد».