لماذا يتجه المصريون نحو السيارات الصينية؟

القاهرة- تشهد السوق المصرية تحولًا جوهريا في توجهات المستهلكين نحو شراء السيارات، إذ سجلت واردات المركبات الصينية قفزة غير مسبوقة بنسبة 120% خلال الربع الأول من عام 2025، متفوقة على نظيراتها اليابانية والكورية الجنوبية والأوروبية.
ووفقًا لأحدث بيانات مجلس معلومات سوق السيارات “أميك”، تصدّرت الصين قائمة مورّدي السيارات إلى مصر، حيث بلغت وارداتها 9.5 آلاف سيارة، وجاءت اليابان في المرتبة الثانية بواردات قدرها 5.3 آلاف سيارة، تلتها كوريا الجنوبية في المرتبة الثالثة مسجلة 4.4 آلاف سيارة، ثم السيارات الأوروبية بواردات بلغت 3.1 آلاف سيارة فقط.
وفي العام الماضي، وصل إجمالي مبيعات السيارات في مصر (بما في ذلك سيارات الملاكي والحافلات والشاحنات) إلى نحو 102.249 سيارة، شكلت منها سيارات الملاكي الحصة الأكبر بواقع 81.4 ألف سيارة.
سجلت واردات مصر من السيارات وقطع غيارها 6.5 مليارات دولار خلال عام 2024، بنسبة زيادة قدرها 30.8% مقارنة بعام 2023، لمواكبة الطلب المحلي المتزايد، رغم الجهود الحكومية لتعزيز التصنيع المحلي، وفقًا للنشرة الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تحول مؤقت أم مستدام؟
يدفع هذا التحول الواضح في تفضيلات المستهلكين إلى تحليل العوامل التي تقف وراء إقبال المصريين المتزايد على العلامات الصينية، وتشمل هذه العوامل المحتملة تنافسية الأسعار الصينية والتطورات التقنية فيها.
فضلا عن ذلك، تثار أسئلة بشأن استدامة هذا الاتجاه: هل يعكس تحولا حقيقيا في ثقة المصريين بهذه العلامات أم هو استجابة مؤقتة لظروف اقتصادية طارئة؟ خصوصا في ضوء المخاوف حول الجودة والمنافسة الطويلة الأمد.
أكد السفير الصيني في القاهرة عبر منصة “إكس” أن انتشار السيارات الصينية في مصر أسهم في خفض الأسعار وتعزيز التنافسية، مع ارتفاع مبيعاتها 33.6% خلال 2024.
وأرجع ذلك إلى توجه الشركات الصينية لإنشاء مصانع محلية مدعومة باستثمارات ضخمة في قطاع السيارات المصري.
الصين والتمدد في السوق المصرية
يرى أسامة أبو المجد، نائب رئيس شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، أن “الصين أحرزت تقدما هائلا في صناعة السيارات، لتصبح رائدة عالميا في مبيعات السيارات الكهربائية، متفوقة على شركات كبرى مثل تسلا، مما جعلها شريكا أساسيا للعديد من العلامات التجارية الدولية”.
وبشأن مقارنة السيارات الصينية من حيث الجودة والموثوقية والتكنولوجيا بالسيارات اليابانية والأوروبية والكورية، أوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن الصين لم تعد تعتمد على السعر كعنصر وحيد للمنافسة، بل أصبحت الجودة والتكنولوجيا والتصميم عوامل رئيسية في تفوقها، مما مكنها من إزاحة السيارات الكورية واليابانية من صدارة المبيعات في مصر.
وأكد أبو المجد أن وجود أكثر من 120 علامة تجارية صينية للسيارات الكهربائية وحدها يفرض هيمنتها ليس فقط في مصر بل في كثير من دول العالم. ونوّه إلى أن هذا التطور السريع يحسب للصناعة الصينية التي انتقلت من مرحلة التجربة إلى الثقة والمنافسة، بل تقدم مستويات رفاهية لا تتوفر في طرازات أخرى أغلى ثمنًا.
وفي ما يتعلق بخدمة ما بعد البيع وتوفر قطع الغيار والصيانة، كشف المتحدث أن هذه المشكلات غالبا ما ترتبط بقوة الوكيل في السوق وليست بالضرورة مؤشرا على جودة السيارة نفسها، كما أن الصناعة الصينية لديها القدرة على التطور السريع وتلافي أي مشكلات قد تظهر، وهو أمر طبيعي في أي صناعة متنامية.
توطين صناعة السيارات
دفعت الرسوم الأوروبية على السيارات الصينية، بالتزامن مع المزايا التنافسية المصرية، الصين إلى التوجه نحو توطين صناعة سياراتها في مصر. وتقاطعت هذه الخطوة مع رغبة مصر في تعزيز التصنيع المحلي، وخفض الواردات، والتصدير، وقد كانت الشركات الصينية هي الأبرز في هذا التوجه.
وأطلقت مصر إستراتيجية في 2022 لتلبية الطلب المتزايد على السيارات وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مستهدفة سوقًا تقدر بـ8 مليارات دولار خلال العقد القادم، وذلك بالتعاون مع الشركاء المحليين والأجانب.
تشهد السوق المصرية حضورا متزايدا لعلامات تجارية صينية مثل “جيلي” و”شيري” و”إم جي” وغيرها، بعضها ينتج محليا بنسبة مكون محلي تصل إلى 45%، وقد انعكس ذلك على ارتفاع مبيعات المركبات المجمعة محليا بنسبة كبيرة بلغت 75.6% في الربع الأول من 2025.
وفي إطار دعم التصنيع المحلي، خصصت الحكومة المصرية مليار جنيه (الدولار يساوي 49.9 جنيها) لإستراتيجية توطين صناعة السيارات في موازنة 2024/2025، بهدف جذب الاستثمارات وزيادة نسبة المكون المحلي إلى أكثر من 45% بنهاية العام، وهو تحدّ في ظل الاعتماد الحالي الكبير على الاستيراد.
طرازات صينية متعددة
توقع رئيس شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية عمر بلبع أن “تواصل مبيعات السيارات الصينية في مصر والعالم نموها بشكل مطرد لأسباب عديدة تتعلق بذكاء الصانع الصيني في توفير طرازات متعددة من المركبات تلائم كل بلد، فضلا عن الأسعار التنافسية التي تطرح في الأسواق، والتصاميم المتنوعة والتكنولوجيا الحديثة”.
واستبعد أن يكون هذا التحول مؤقتا أو مرتبطا بالأسعار، وأكد في تصريحات للجزيرة نت أن المستهلك المصري تجاوز منطقة القلق من الصناعة الصينية بسبب التطور الكبير والسريع في صناعة السيارات والخيارات المتعددة التي توفرها الصين وتتناسب مع احتياجات المستهلكين ومتطلباتهم.
ولفت بلبع إلى أن الصين تحولت إلى لاعب رئيسي في صناعة السيارات وإنتاجها على مستوى العالم.
وفي إطار سعي مصر الدائم لتعزيز قدراتها الصناعية، أكد بلبع أن مشاركة الصين في إقامة مصانع لتصنيع السيارات تكتسب أهمية إستراتيجية قصوى، إذ تسهم في توفير فرص عمل وجلب استثمارات أجنبية، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الواردات وتقليص فاتورة الاستهلاك الباهظة.
وهذا التوجه، بحسب رئيس شعبة السيارات، بدأ يؤتي ثماره بالفعل خاصة مع تجاوز مبيعات التصنيع والتجميع المحلي 50% في المدة الأخيرة، وذلك يؤكد أن التعاون مع الصين يمثل رافدًا حيويا في تعزيز القدرة التنافسية للصناعة المصرية على المدى البعيد.