لو باريزيان: ماذا وراء تصريحات بوتين ضد أوروبا؟

أكد خبراء سياسيون وعسكريون أن التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن احتمال نشوب صراع مع أوروبا تهدف بشكل أساسي إلى إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي في المفاوضات الدولية، وتقليل الضغوط عليه فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتزايد المخاوف من توسع نطاق الصراع. وتشير التحليلات إلى أن بوتين يسعى إلى تصوير أوروبا كتهديد، واستخدام التهديد النووي كأداة لثني الأوروبيين عن تبني مواقف أكثر صرامة.
وتسلط هذه التطورات الضوء على حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن مستقبل العلاقات بين روسيا وأوروبا، وتثير تساؤلات حول مدى قدرة روسيا على تنفيذ تهديداتها، وما إذا كانت هذه التصريحات مجرد مناورة دبلوماسية. الوضع يتطلب تحليلاً دقيقاً للقدرات العسكرية والاقتصادية لكلا الجانبين، بالإضافة إلى فهم الأهداف الاستراتيجية لكل منهما.
التصعيد النووي: أداة لتعطيل المفاوضات الأوروبية
يرى المحللون أن التلويح بالأسلحة النووية من قبل بوتين ليس بالجديد، ولكنه يأخذ أبعاداً مختلفة في سياق الحرب الأوكرانية. فقد استخدمت روسيا هذا التكتيك في الماضي كوسيلة للردع، ولكنها الآن تستخدمه بشكل أكثر صراحة لإجبار الغرب على تقديم تنازلات. ويشير الكاتب لينو بريستيموناكو في تقرير نشرته صحيفة لو باريزيان الفرنسية، إلى أن هذه التصريحات تهدف إلى إبعاد الأوروبيين عن طاولة المفاوضات، وتقويض جهودهم الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة.
القدرات العسكرية الروسية: تقييم واقعي
على الرغم من الإنفاق العسكري الروسي الضخم، الذي يناهز 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل حوالي 2% فقط في فرنسا، يرى الجنرال دومينيك ترانكون، وهو متخصص في العلاقات الدولية، أن موسكو ليست في موقع يسمح لها بخوض مواجهة مباشرة مع أوروبا. ويعزو ترانكون ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك التحديات اللوجستية، والقيود المفروضة على القوات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا، والتفوق العسكري الأوروبي في بعض المجالات.
الاستنزاف العسكري الروسي
ويضيف أولريش بونات، الباحث المشارك في مركز “أورو كرياتيف”، أن معظم القوات البرية الروسية لا تزال منخرطة في القتال في أوكرانيا. ويشير إلى أن القواعد العسكرية الروسية على طول الحدود مع فنلندا شبه فارغة لعدم وجود قوات متاحة، مما يؤكد أن القدرات البشرية الروسية مستنزفة إلى حد كبير. هذا الاستنزاف يضعف قدرة روسيا على شن عمليات عسكرية واسعة النطاق في أوروبا.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن روسيا قد تلجأ إلى أساليب حرب غير تقليدية، مثل الهجمات السيبرانية أو التدخل في الانتخابات، لزعزعة الاستقرار في أوروبا. وهذه الأساليب أقل تكلفة وأكثر صعوبة في الردع، مما يجعلها خياراً جذاباً بالنسبة لموسكو.
التحالفات الدولية وتأثيرها على الأزمة
تعتبر العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة عاملاً حاسماً في تحديد مسار الأزمة. ويشير ترانكون إلى أن روسيا تدرك أن التعامل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يعني التعامل مع شخص يسعى إلى تحقيق سلام سريع، وقد يكون مستعداً لتقديم تنازلات كبيرة. في المقابل، يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر تمسكاً بمواقفه، ويرفض تقديم تنازلات قد تضر بمصالحه الأمنية.
وتؤكد التحليلات أن بوتين يسعى إلى استغلال الانقسامات المحتملة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقويض الدعم الأوروبي لأوكرانيا. ويعتمد على إقناع الغرب بأن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، وأن الحل الوحيد هو التوصل إلى تسوية سياسية.
بالإضافة إلى ذلك، ترفض موسكو بشكل قاطع الضمانات الأمنية التي تطالب بها دول الاتحاد الأوروبي لصالح أوكرانيا، بما في ذلك إمكانية نشر قوات تابعة للناتو داخل الأراضي الأوكرانية أو على طول الحدود مع روسيا. ويعتبر بوتين هذه الضمانات تهديداً لأمن روسيا، ويرفض السماح بها بأي شكل من الأشكال.
ويرى بونات أن بوتين يسعى إلى تصوير الموقف الأوروبي على أنه تشدد مفرط أو تمسك غير واقعي بالمواجهة، وذلك بهدف تبرير تصرفاته وتقليل الضغوط عليه. ويستخدم التلويح بالورقة النووية كأداة لترهيب الغرب وإجباره على تغيير موقفه.
في الختام، من المتوقع أن يستمر التوتر بين روسيا وأوروبا في التصاعد في المدى القصير، مع استمرار الحرب في أوكرانيا. وسيكون من الضروري مراقبة التطورات العسكرية والسياسية عن كثب، وتقييم مدى قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حل سلمي للأزمة. يبقى احتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا وأوروبا أمراً وارداً، على الرغم من أن العديد من الخبراء يعتبرونه غير مرجح في الوقت الحالي.





