ليلة اغتيال السير لي ستاك القائد العام للجيش المصري

شهدت مصر في مطلع القرن العشرين تصاعدًا في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني، وتنوعت أساليب هذه المقاومة من الاحتجاجات السلمية إلى العمليات المسلحة. وقد بلغت هذه العمليات ذروتها في سلسلة من الاغتيالات السياسية التي استهدفت رموزًا بريطانية ومصريين متعاونين معهم، وكان اغتيال السير لي ستاك في عام 1924 من أبرز هذه الحوادث، مما أثار أزمة سياسية حادة وأثر بشكل كبير على مستقبل العلاقة بين مصر وبريطانيا. هذه المقالة تستعرض تفاصيل هذه الفترة الحاسمة في تاريخ مصر.
الواقع السياسي والاغتيالات في مصر
منذ فرض الاحتلال البريطاني سيطرته على مصر عام 1882، تزايدت حدة المقاومة الوطنية. لم تقتصر هذه المقاومة على النخب السياسية، بل امتدت لتشمل مختلف فئات المجتمع المصري. وقد دفع الإحباط من فشل الوسائل السلمية بعض الشباب والتنظيمات السرية إلى تبني العنف كوسيلة لتحقيق الاستقلال.
بدأت هذه الموجة باغتيال بطرس غالي باشا عام 1910، رئيس الوزراء الذي أبرم اتفاقية مثيرة للجدل بشأن السودان. أثار هذا الاغتيال غضب الحركة الوطنية المصرية، التي اعتبرته خيانة للقضية المصرية. لاحقًا، شهدت البلاد محاولات عديدة لاستهداف مسؤولين بريطانيين، بعضها نجح والبعض الآخر باء بالفشل.
عملية اغتيال السير لي ستاك
في نوفمبر 1924، وقعت حادثة اغتيال السير لي ستاك، القائد العام للجيش المصري الخاضع للاحتلال البريطاني. تمت العملية في وضح النهار، حيث تعرض موكب ستاك لهجوم مسلح في شارع الطرفة الغربي بالقاهرة. أصيب ستاك بجروح بالغة، وتوفي في اليوم التالي.
أثار اغتيال ستاك صدمة وغضبًا كبيرين في الأوساط البريطانية. اعتبرت الحكومة البريطانية أن الحادث يمثل تهديدًا خطيرًا لأمنها ومصالحها في مصر. وقد أدى ذلك إلى تشديد الإجراءات الأمنية، وحملة اعتقالات واسعة النطاق طالت العديد من الشخصيات الوطنية المصرية.
رد فعل الحكومة المصرية
في أعقاب الحادث، واجهت الحكومة المصرية بقيادة سعد زغلول ضغوطًا هائلة من الجانب البريطاني. طالب البريطانيون بتقديم اعتذار رسمي، وتسليم المتهمين، واتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
حاول زغلول التخفيف من حدة الأزمة، وأصدر تصريحات تدين العنف وتؤكد على التزام مصر بالحفاظ على الأمن والاستقرار. لكن هذه التصريحات لم ترضِ الجانب البريطاني، الذي أصر على موقفه المتشدد.
التحقيقات والمحاكمات
أجرت السلطات المصرية تحقيقات مكثفة في حادث اغتيال ستاك، وألقت القبض على عدد من المشتبه بهم. وقد كشفت التحقيقات عن وجود تنظيم سري يسمى “اليد السوداء” يقف وراء العملية.
تمت محاكمة المتهمين أمام محكمة مصرية خاصة، وأصدرت المحكمة حكمًا بإعدام ثمانية منهم. أثار هذا الحكم غضبًا واسعًا في الأوساط الوطنية المصرية، التي اعتبرته حكمًا جائرًا وغير عادل.
تداعيات الاغتيال وتأثيره على السياسة المصرية
كان لاغتيال السير لي ستاك تداعيات كبيرة على السياسة المصرية. أدت الأزمة الناتجة عن الحادث إلى استقالة سعد زغلول من منصبه، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد زيور باشا، المعروف بقربه من الإنجليز.
وقد اتخذت حكومة زيور باشا إجراءات صارمة لقمع الحركة الوطنية، وقامت بسحب الجيش المصري من السودان، وإعادة فرض السيطرة البريطانية على البلاد.
أدت هذه الإجراءات إلى تفاقم الأوضاع السياسية في مصر، وزيادة حدة الصراع بين الحركة الوطنية والاحتلال البريطاني. وقد مهدت هذه الأحداث الطريق لثورة 1919، التي اندلعت بعد سنوات قليلة، وكانت بمثابة نقطة تحول في مسيرة مصر نحو الاستقلال.
مستقبل القضية والذاكرة الوطنية
لا تزال قضية اغتيال السير لي ستاك تثير الجدل والنقاش في الأوساط المصرية. تعتبر هذه الحادثة جزءًا من الذاكرة الوطنية المصرية، وتذكر بأهمية النضال من أجل الاستقلال والحرية.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث والدراسات في استكشاف تفاصيل هذه القضية، والكشف عن المزيد من الحقائق حول ملابساتها ودوافعها. كما من المرجح أن تظل هذه الحادثة محط اهتمام المؤرخين والباحثين المهتمين بتاريخ مصر الحديث.




