ماذا بعد رفض ورقة مسعد بولس بشأن الأزمة السودانية؟

يكتنف الوضع في السودان حالة من التعقيد والغموض المستمر، مع استمرار القتال العنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتصاعد الخلاف حول مبادرة واشنطن التي تهدف إلى إنهاء الأزمة السودانية. ورفض الطرفان المبادرة، مما يعقد الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في البلاد. تتزايد المخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية وتأثير ذلك على المدنيين.
أعلنت واشنطن، عبر مستشار الرئيس للشؤون الأفريقية والعربية مسعد بولس، عن رفض كل من الجيش وقوات الدعم السريع للمبادرة التي قدمتها، والتي تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر. جاء هذا الرفض على الرغم من الدعم الذي تحظى به المبادرة من دول الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات). وتشكل هذه التطورات تحديًا كبيرًا للجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة السودانية.
لجم التدخل الخارجي في الأزمة السودانية
أشار الرئيس دونالد ترامب إلى استعداده للتدخل لإنهاء الحرب في السودان، بعد توصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقد رحبت الحكومة السودانية بهذا الموقف، معربة عن أملها في أن يؤدي إلى وقف التصعيد. لكن الخرطوم أكدت أن رفضها للورقة الأميركية يعود إلى عضوية إحدى دول الرباعية، ودورها في الوساطة، بحسب الباحث في العلاقات الدولية عامر حسن عباس.
وتطالب الحكومة السودانية بأن يكون التفاوض مبنيًا على أساس وحدة وسيادة الدولة، معتبرة قوات الدعم السريع قوة متمردة. ويرى عباس أن المبادرة قد تكون مقبولة إذا كانت تهدف إلى إنهاء الحرب بشكل نهائي وليس مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار. وتعتبر مسألة السيادة الوطنية من القضايا الحساسة في المفاوضات.
في المقابل، تنفي قوات الدعم السريع رفضها للمبادرة الأميركية، وتزعم أنها وافقت عليها دون شروط. الكاتب الصحفي الغالي شقيفات تساءل عن صحة تصريحات بولس، مؤكدًا أن قوات الدعم السريع وافقت على جميع بنود الخطة باستثناء مشاركة “الحركة الإسلامية” في عملية التفاوض. ويرى شقيفات أن تصنيف الولايات المتحدة للإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية قد يساهم في تحقيق السلام في السودان.
موقف الأطراف المتنازعة من المبادرة
تباينت آراء الأطراف المتنازعة حول المبادرة الأميركية، مما يعكس عمق الخلافات بينهما. الجيش السوداني يركز على الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها، بينما تسعى قوات الدعم السريع إلى ضمان دور لها في أي تسوية سياسية مستقبلية. هذا التباين في الأهداف يعقد عملية التوصل إلى اتفاق.
ويرى محللون أن إعلان قوات الدعم السريع عن هدنة من جانب واحد يهدف إلى تحسين صورتها بعد الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب جرائم في الفاشر بإقليم دارفور. الدكتور لقاء مكي، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، يرى أن الهدنة قد تكون مجرد مناورة لتحسين السمعة، وأن رفض قوات الدعم السريع للورقة الأميركية يعود إلى أنها تتضمن إطارًا سياسيًا.
الأزمة السودانية تتطلب حلاً شاملاً يتضمن معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وضمان مشاركة جميع الأطراف في عملية السلام. كما يتطلب ذلك جهودًا إقليمية ودولية مكثفة لتقديم الدعم الإنساني والسياسي للسودان.
تداعيات استمرار الأزمة السودانية
استمرار القتال في السودان يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، وزيادة أعداد النازحين واللاجئين. كما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ويؤثر على جهود التنمية الاقتصادية. وتشير التقارير إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءًا، وأن هناك حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.
وتشكل التدخلات الخارجية في الأزمة السودانية تحديًا إضافيًا، حيث تتهم بعض الأطراف دولًا إقليمية بدعم أحد طرفي النزاع. ويرى مراقبون أن لجم هذه التدخلات ضروري لتحقيق الاستقرار في السودان. وتعتبر قضية التدخلات الخارجية من القضايا الشائكة التي تتطلب معالجة دقيقة.
من المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل للأزمة السودانية، لكن فرص النجاح تبدو محدودة في ظل استمرار الخلافات بين الأطراف المتنازعة. ومن المرتقب أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من المفاوضات والتشاورات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستؤدي إلى نتائج ملموسة. يبقى الوضع في السودان غير مستقر، ويتطلب متابعة دقيقة.





