ماذا تملك المقاومة في غزة اليوم لردع الاحتلال؟

منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، لم يتوقف الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل انتقل إلى مرحلة جديدة تتسم بإعادة التموضع والضغط المتعدد الأوجه. هذه المرحلة، التي يصفها مراقبون بأنها “صراع منخفض الوتيرة”، لا تشهد معارك واسعة النطاق، لكنها تتميز بمحاولات مستمرة من كلا الطرفين لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، وإعادة توزيع السيطرة، واستخدام أدوات غير عسكرية لتعزيز نفوذهما. تعتبر إعادة بناء الردع الإسرائيلي بعد الحرب، وتحديد آليات عمله، محوراً رئيسياً في هذه المرحلة.
السياسة الإسرائيلية للردع بعد وقف إطلاق النار
تعتمد إسرائيل على نموذج “الرد الفوري” كعنصر أساسي في سياستها الأمنية بعد وقف إطلاق النار. يشمل ذلك تنفيذ عمليات استهداف محدودة ضد أهداف يُزعم أنها مرتبطة بحركة حماس أو فصائل أخرى، ردًا على أي تحرك يُنظر إليه على أنه تهديد. تهدف هذه الاستجابة السريعة إلى منع الفصائل الفلسطينية من اختبار حدود الردع الإسرائيلي أو إعادة بناء قدراتها العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل إسرائيل سياسة منع حركة حماس من استعادة قدراتها العسكرية. وتشمل هذه السياسة عمليات الاغتيال والاستهداف ضد عناصر يُزعم أنهم ينتمون إلى أجنحة عسكرية، إلى جانب محاولات لعرقلة تدفق الأسلحة والمواد التي يمكن استخدامها في تصنيعها. وتبرر إسرائيل هذه الإجراءات بأنها ضرورية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
فرضت إسرائيل سيطرة جغرافية على مناطق واسعة في قطاع غزة، مما أثر بشكل كبير على حركة السكان والنشاط الاقتصادي. وتشمل هذه السيطرة إقامة مناطق عسكرية مغلقة، ونشر نقاط مراقبة، وتقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية والمناطق التجارية. وتشير تقارير منظمات حقوقية إلى أن هذه القيود أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.
تعتمد إسرائيل أيضًا على شبكات من العملاء والمجموعات المسلحة داخل قطاع غزة لجمع المعلومات وتقديم الدعم الأمني. وتُستخدم هذه الشبكات لمراقبة تحركات الفصائل الفلسطينية، وإحباط محاولات الاختراق الأمني، وتحديد الأهداف المحتملة للعمليات العسكرية. ويُعد هذا النهج جزءًا من استراتيجية إسرائيل طويلة الأمد لتعزيز قدراتها الاستخباراتية والأمنية.
تُستخدم القيود الإنسانية كأداة ضغط على حركة حماس والسكان المدنيين في قطاع غزة. وتشمل هذه القيود تقييد إدخال بعض أنواع المساعدات، مثل مواد البناء والمعدات الطبية، وفرض قيود على حركة الأشخاص والبضائع عبر المعابر. وتؤكد إسرائيل أن هذه القيود ضرورية لمنع وصول المواد إلى الفصائل المسلحة، لكنها تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.
الإعمار المشروط وتأثيره على الوضع في غزة
تُشترط عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة بموافقة إسرائيلية، مما يؤدي إلى تأخير كبير في وصول المساعدات والمواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. وتُركز إسرائيل على ضمان عدم استخدام مواد البناء في أغراض عسكرية، مما يؤدي إلى تقييد إدخالها بشكل كبير. وقد أدى هذا التقييد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، وإعاقة جهود إعادة الإعمار.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز خطاب إسرائيلي يدعو إلى “تسهيل خروج سكان من غزة” أو “فتح الباب أمام خيار الهجرة الطوعية”. ويُنظر إلى هذا الخطاب على أنه محاولة لتقليل الضغط الديموغرافي على القطاع، وتقويض الدعم الشعبي لحركة حماس. ويثير هذا الخطاب مخاوف بشأن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، واحتمال حدوث تغييرات ديموغرافية قسرية في القطاع.
سياسات حماس بعد وقف إطلاق النار
تعتمد حركة حماس على قنوات سياسية ودبلوماسية، عبر الوسطاء مثل مصر وقطر وتركيا، بهدف تحسين شروط وقف إطلاق النار، وتخفيف القيود المفروضة على قطاع غزة. وتسعى الحركة إلى الحصول على ضمانات دولية بشأن إعادة الإعمار، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، تعمل حماس على ضبط الأمن الداخلي في قطاع غزة، وملاحقة الأشخاص الذين تتهمهم بالتعاون مع إسرائيل. وتشمل هذه الإجراءات تشديد الرقابة على حركة الأشخاص والبضائع، وتفعيل وحدات أمنية محلية، وتنفيذ عمليات اعتقال وتفتيش. تهدف هذه الإجراءات إلى منع أي محاولات لتقويض سلطة الحركة، أو إثارة الفوضى في القطاع.
تسعى حماس إلى إدارة الأزمة الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة، من خلال اتخاذ إجراءات تهدف إلى الحد من انفلات الأسعار، وضبط الأسواق، وتوفير بعض الخدمات الأساسية للسكان. وتشمل هذه الإجراءات مراقبة حركة التجارة، وتوزيع المساعدات الغذائية، وتوفير الرعاية الصحية الطارئة.
تستثمر حركة حماس في النشاط الإعلامي لإبراز تداعيات الحرب على قطاع غزة، وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، وحشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية. وتستخدم الحركة وسائل الإعلام المحلية والدولية لنشر رسائلها، والتواصل مع الرأي العام العالمي.
تواصل حماس جهودها لإعادة التعافي التنظيمي والعسكري، من خلال استبدال الكوادر الذين فقدتهم في الحرب، وإعادة بناء البنية التحتية العسكرية. وتشير تقارير استخباراتية إلى أن الحركة لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة، وأنها تعمل على تطوير أسلحة جديدة.
تحافظ حماس على تنسيقها مع قوى المقاومة الأخرى، مثل حزب الله اللبناني وأنصار الله في اليمن، بهدف تعزيز الردع الإقليمي ضد إسرائيل. وتشمل هذه التنسيقات تبادل المعلومات، وتوحيد الجهود العسكرية، وتنفيذ عمليات مشتركة.
في الختام، يشير الوضع الحالي إلى أن قطاع غزة يدخل مرحلة جديدة من الصراع، تتسم بالضغط المتعدد الأوجه، وإعادة التموضع، والتركيز على الردع غير المباشر. من المتوقع أن تستمر هذه المرحلة حتى يتم التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضمن استقرارًا طويل الأمد، وهو أمر غير مؤكد في ظل استمرار الخلافات العميقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. يجب مراقبة تطورات الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع، بالإضافة إلى التحركات العسكرية والأمنية لكلا الطرفين، لتقييم مدى استقرار وقف إطلاق النار، واحتمالات نشوب مواجهات جديدة.





