ما الذي تقدمه مبادرة رئيس الوزراء إدريس للسلام في السودان؟

الخرطوم – تشهد الأزمة السودانية تطورات جديدة مع طرح رئيس الوزراء كامل إدريس مبادرة جديدة لإحلال السلام أمام مجلس الأمن الدولي، مما أثار جدلاً سياسياً حول خيارات وقف الحرب المستمرة منذ 32 شهراً. تأتي هذه المبادرة في ظل اهتمام دولي وإقليمي متزايد بالوضع في السودان، وتسعى إلى إيجاد حلول مستدامة للأزمة المتفاقمة، مع التركيز على إنهاء القتال وتحقيق الاستقرار.
تأتي زيارة إدريس إلى نيويورك بعد جهود دبلوماسية مكثفة، بما في ذلك طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التدخل لإيقاف الحرب. كما زار رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان الرياض والقاهرة مؤخراً، حيث أكد استعداده للتعاون مع السعودية والرئيس ترمب ومبعوثه للشؤون الأفريقية مسعد بولس لإنهاء النزاع. واشنطن حددت سقفا زمنيا للتوصل إلى هدنة إنسانية مع بداية العام المقبل، بهدف وقف القتال وتوسيع عمليات الإغاثة.
تفاصيل مبادرة إدريس لإحلال السلام في السودان
تتضمن مبادرة رئيس الوزراء إدريس وقفاً لإطلاق النار الشامل، تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. يعقب ذلك انسحاب مقاتلي الدعم السريع من المدن التي يسيطرون عليها إلى معسكرات يتم الاتفاق عليها تحت إشراف دولي وعربي وأفريقي. تهدف هذه الخطوة إلى استعادة الأمن والاستقرار في المناطق المتضررة من النزاع.
كما تشمل الخطة تنفيذ برامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للمقاتلين غير المدانين، بهدف دعم عودتهم إلى الحياة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، تدعو المبادرة إلى حوار سوداني/سوداني خلال الفترة الانتقالية للاتفاق على أسس الحكم، على أن تُختتم المرحلة الانتقالية بانتخابات عامة تحت رقابة دولية. يهدف هذا المسار إلى بناء نظام حكم ديمقراطي يضمن حقوق جميع السودانيين.
وشدد إدريس على أن المبادرة تؤكد عدم إمكانية تحقيق السلام بدون مساءلة، وأن الاستقرار لن يتحقق بدون سلطة موحدة. وأوضح أن المبادرة تمثل تكاملاً لخارطة الطريق التي طرحتها الحكومة السودانية ومبادرة السعودية ومصر.
ما الذي يميز مبادرة إدريس عن المبادرات السابقة؟
في مارس الماضي، سلم مجلس السيادة السوداني خارطة طريق إلى الأمم المتحدة تضمنت رؤية وخطوات عملية لوقف النزاع. تضمنت الخارطة وقف إطلاق النار بالتزامن مع انسحاب الدعم السريع من المدن وتجميع قواته في مناطق دارفور خلال 10 أيام. كما حددت فترة 3 أشهر لعودة النازحين ودخول الإغاثة، ثم تفاوض حول مستقبل الدعم السريع وتشكيل حكومة مستقلة.
تتميز مبادرة إدريس بتركيزها على وقف إطلاق النار الدائم بدلاً من الهدنة المؤقتة، وارتكازها على خطة السعودية الأميركية المصرية ومرجعية “إعلان جدة”. هذا يعني تجاوز المجموعة الرباعية، ووضع الدعم السريع وداعميه أمام تحدٍ كبير.
موقف الدعم السريع من مبادرة السلام
أعرب مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق عن رفضه للمبادرة، واصفاً إياها بأنها “إعادة تدوير لخطاب إقصائي متهالك”. وأكد أن الحديث عن انسحاب الدعم السريع من مناطق سيطرتها ووصفها بالمليشيا هو طرح أقرب إلى الخيال منه إلى السياسة.
وأضاف طبيق أن قوات الدعم السريع تتمسك بمواقفها ولن تقبل بأي مبادرات تتجاهل دورها على الأرض. في المقابل، يرى محللون أن المبادرة تمثل فرصة حقيقية لإنهاء الحرب، لكنها تتطلب تنازلات من جميع الأطراف.
هل تفتح المبادرة فرصة للأمل؟
يرى مدير مركز دراسات العلاقات السياسية الدولية بالخرطوم الرشيد محمد إبراهيم أن عوامل نجاح أي مبادرة تعتمد على قبولها من الطرف الخصم، وقناعة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة على المشهد السوداني. ويقول إن بعض بنود مبادرة إدريس موضوعية، وأخرى تحمل شروطاً أقرب للاستسلام منه إلى السلام، وهذا يتطلب تعديلها.
من ناحية أخرى، يرى محللون أن المبادرة قد تفتح الباب أمام حوار جديد بين الأطراف المتنازعة، إذا أبدت الأطراف المعنية استعداداً للتفاوض الجاد. ومع ذلك، لا يزال الوضع في السودان هشاً وغير مستقر، وهناك العديد من التحديات التي تعيق تحقيق السلام.
من المتوقع أن يناقش مجلس الأمن الدولي مبادرة إدريس في جلسة قادمة، وأن يبحث عن سبل لدعمها وتنفيذها. في الوقت نفسه، ستستمر الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية لإقناع الأطراف المتنازعة بالعودة إلى طاولة المفاوضات. يبقى الوضع في السودان معلقاً على نتائج هذه الجهود، وعلى استعداد الأطراف المعنية لتقديم تنازلات من أجل تحقيق السلام والاستقرار.





