ما خيارات السودان بعد تدشين سد النهضة الإثيوبي؟

الخرطوم- على وقع العد التنازلي لتدشين سد النهضة الإثيوبي رسميا اليوم الثلاثاء، في حفل ضخم يسعى خلاله رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإظهار المشروع منجزا وطنيا وتحولا إستراتيجيا، تصاعدت تحركات الخرطوم والقاهرة وعززا تنسيقهما لتأكيد عدم شرعية التشغيل الأحادي للسد من دون اتفاق ملزم.
ويعتقد مراقبون أن أديس أبابا تسعى لإحداث فجوة في التنسيق المتنامي بين السودان ومصر قبيل حفل التدشين، لنفي استهداف دولتي المصب والإضرار بأمنهما المائي.
وظلت مصر والسودان تطالبان بالتوصل إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء سد النهضة وتشغيله، محذرتين من تداعيات عدم التشاور معهما على أمنهما المائي واستقرار المنطقة.
وجرى الإعلان في ديسمبر/كانون الأول 2023 فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات، وإغلاق المسار التفاوضي بعد أكثر من 13 عاما من المحادثات دون التوصل إلى اتفاق ملزم.
ولا يستبعد مراقبون أن يرد السودان ومصر على فرض أديس أبابا السد أمرا واقعا، بتقديم خطاب اعتراض مشترك لمجلس الأمن بالتزامن مع الافتتاح الإثيوبي، باعتبار الخطوة مخالفة للاتفاقيات والأعراف الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود، فضلا عن اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015 في الخرطوم.
تنسيق ثنائي
وكان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد قد دعا كلا من مصر والسودان لحضور افتتاح سد النهضة، مؤكدا أن السد لا يشكل تهديدا للبلدين، وإنما فرصة للتعاون الإقليمي وتحقيق المنفعة المتبادلة، حسب كلامه.
وبينما لم تعلق الخرطوم على الدعوة الإثيوبية ولزمت الصمت، وصف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي دعوة أديس أبابا لحضور حفل افتتاح السد بـ “العبث”.
وعقد كل من وزير الزراعة والري السوداني عصمت قرشي ووزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم اجتماعا في القاهرة، الخميس الماضي، وشددا فيه على ضرورة الالتزام التام بقواعد القانون الدولي للمياه فيما يخص سد النهضة.
وأتى اجتماع الوزيرين بعد ساعات من اجتماع رباعي بمقر وزارة الخارجية المصرية، حضره معهما وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، ووزير الدولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي السوداني عمر صديق.
وشدد البيان المشترك على ارتباط الأمن المائي السوداني والمصري والعمل بشكل مشترك للحفاظ على حقوق واستخدامات البلدين المائية كاملة، وفقا للنظام القانوني الحاكم لنهر النيل، وطبقا للقانون الدولي، واتفاقية عام 1959 المُبرمة بين البلدين.
وعدّ البيان سد النهضة الإثيوبي مخالفا للقانون الدولي، حيث يترتب عليه “آثار جسيمة” على دولتي المصب، ويمثل “تهديدا مستمرا” لاستقرار الوضع في حوض النيل.
بعد إعلان #إثيوبيا افتتاح #سد_النهضة الشهر الجاري.. #مصر و #السودان تدعوان للالتزام بالقانون الدولي في قضية المياه pic.twitter.com/V4zlLYPsa3
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) September 4, 2025
الموقف من أديس أبابا
يقول مسؤول سوداني قريب من ملف المياه للجزيرة نت، إن إثيوبيا غير جادة في دعوتها السودان ومصر لحضور مراسم تدشين سد النهضة، لأنها ظلت ترفض توقيع اتفاق ملزم لتشغيل السد يحفظ للدولتين حقوقهما المائية، وتجنب أي آثار سلبية محتملة جراء التشغيل، بينما ستستمر الخرطوم في موقفها بضرورة توقيع اتفاق ملزم.
ويوضح المسؤول الرسمي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن أديس أبابا ظلت تسعى لضرب التنسيق بين الخرطوم والقاهرة، وكان آخرها مزاعم عن تسريب وثيقة اتفاق مع السودان بشأن تشغيل السد وقعت في العام 2022.
ويتساءل المسؤول الحكومي: “حتى لو كان هناك اتفاق موقع أو غير ذلك، فهل التزمت به إثيوبيا؟”، مؤكدا أنها تسببت في إضرار بلاده من خلال تفريغ مياه سد النهضة عبر بوابات المفيض، وكذلك انحسار مياه النيل الأزرق بصورة كبيرة في فترة سابقة، إلى جانب التعقيدات في تشغيل سد الروصيرص السوداني القريب من الحدود الإثيوبية، مما يؤكد أنه لا يوجد تنسيق أو اتفاق بينهما.
وفي المقابل، واصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إطلاق رسائل متفائلة، مبينا أن المشروع يمثل “تحولا إستراتيجيا” يعيد صياغة موقع بلاده في معادلة القوة الإقليمية، وقال “انتهت قرون من الركود الجيوسياسي وبدأ عصر جديد من التنمية والسيادة الوطنية”.
وردا على الانتقادات الموجهة لبلاده، شدد أحمد خلال لقاء أجراه من موقع السد مع التلفزيون الإثيوبي على أن استخدام إثيوبيا جزءا محدودا من مياه النيل “لا يعد جريمة ولا اعتداء على حقوق الآخرين”، مؤكدا أن المياه تُطلق عبر التوربينات والممرات بما يضمن استمرار التدفق إلى مصر والسودان.
الخيارات الممكنة
يقول الكاتب والباحث في الإعلام التنموي إبراهيم شقلاوي إن خبراء سودانيين بارزين، مثل وزيري الري السابقين عثمان التوم وسيف الدين حمد، يرون أن السد يحقق فوائد عدة للسودان.
وعن التنسيق بين دولتي المصب، يعتقد الكاتب في حديث للجزيرة نت أن مصالح السودان ليست مطابقة لمصر، فبينما تخشى القاهرة على حصتها المائية، يحتاج السودان بالدرجة الأولى لتنظيم التدفقات وتحسين قدراته في جانب الطاقة والتوسعة الزراعية.
ومع اقتراب التدشين الرسمي للسد يقول الكاتب إن السودان أمام خيارين:
- إما الانخراط بفعالية في إدارة المرحلة الجديدة، عبر التعاون والمبادرات المشتركة.
- أو البقاء رهين ردود الفعل، وما يترتب على ذلك من خسائر محتملة.
أما الخبير الدولي والمستشار القانوني لوزارة الري السابق أحمد المفتي فيشدد على ضرورة توقيع اتفاق ثلاثي ملزم لتشغيل سد النهضة وأن عرض إثيوبيا بتبادل المعلومات والبيانات فهو غير ملزم لها.
ويقول المفتي للجزيرة نت إن “الاتفاق الثلاثي هو الأفضل، لأن الأمر مرتبط بمصالح السودان ومصر وإثيوبيا، كما أن أي اتفاق تبرمه الخرطوم مع أديس أبابا سيكون في صالح القاهرة”.
وكان مشروع “سد النهضة” قد أطلق عام 2011، بميزانية بلغت 4 مليارات دولار، حيث يعد أكبر مشروع سد كهرومائي في أفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا.
وترى أديس أبابا أن السد ضروري لتلبية احتياجاتها من الكهرباء، حيث تصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو قادر على توليد أكثر من 5 آلاف ميغاوات من الكهرباء، أي ما يعادل ضعف الإنتاج الحالي لإثيوبيا، كما تتوقع أن يحقق إيرادات سنوية تصل إلى مليار دولار.