ما سر طائرات الدرون التي يشاهدها الأميركيون مؤخرا؟
واشنطن– منذ بداية هيستريا ظهور طائرات الدرون (المسيّرات) في عدة ولايات على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، أشارت التقديرات العسكرية الأميركية إلى عدم وجود شيء غريب في السماء. وقال المتحدث الرسمي باسم البنتاغون بات رايدر إنه لا يوجد دليل على أن “الطائرات بدون طيار المُبلَّغ عنها تشكّل تهديدا للأمن القومي أو السلامة العامة أو لها علاقة بالخارج”.
ويعتقد بعض المحللين أن هذه المسيرات، بمختلف أنواعها وضخامة أعدادها، ما هي إلا جزء محدود من مشروع بحثي عسكري أوسع في مرحلة الاختبار.
ودفع تصريح الرئيس المنتخب دونالد ترامب لاحقا بأن “الجيش يعرف من أين تقلع الطائرات بدون طيار” إلى الإيحاء بأن هذه الظاهرة ترتبط بأنشطة عسكرية أميركية. وتوافق ذلك مع ظهور هذه المسيّرات بالأساس بالقرب من قاعدة عسكرية في ولاية نيوجيرسي، إضافة لظهورها قرب قاعدة عسكرية أميركية في ألمانيا.
وعند قيام عدد من المواطنين باستخدام أسلحة نارية للتعامل مع المسيّرات فوق منازلهم، تم القبض على بعضهم من جانب السلطات الأميركية، التي أعلنت أن مهاجمة هذه المسيّرات أمر غير قانوني.
مبادرة
وقدر أحد المعلقين أن ما يحدث ما هو إلا تجارب ضمن مبادرة “ريبليكيتور” (Replicator) المعنية بإنتاج أسلحة غير تقليدية بشكل أسرع وأرخص من المعتاد، والتي تم إطلاقها في أغسطس/آب 2023 بهدف خلق أسطول جوي من آلاف المسيّرات ذات الحجم الصغير كتلك التي أثبتت أهميتها وجدواها بالصراعات المسلحة الجارية مثل الحرب الأوكرانية.
كما يهدف البنتاغون إلى مواجهة التوسع والتقدم الصيني والروسي والتركي والإيراني في هذا المجال، بإنتاج مسيّرات وأسلحة مضادة لها، ومن المقرر الانتهاء من المبادرة في أغسطس/آب 2025.
و”ريبليكيتور” هي مبادرة من البنتاغون “لتوفير قدرات مبتكرة للقادة العسكريين في ساحات القتال بسرعة، وعلى نطاق واسع، لمواجهة التحديات العملياتية القتالية”.
وتُعد هذه المسيّرات جزءا من إجراء اختبارات بتقنيات حديثة، وهذا الأمر يتسق مع التعامل الهادئ من قبل الإدارة الأميركية مع الأمر، وكذلك رد فعل ترامب الهادئ على الأمر بعدما اتخذ موقفا انفعاليا في البداية.
وقد تم الإعلان عن المبادرة في أغسطس/آب 2023، مع توقع زيادة استخدام الجيش الأميركي المسيّرات على نطاق واسع في غضون 18-24 شهرا، أو بحلول أغسطس/آب 2025.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، أعلن وزير الدفاع لويد أوستن عن المرحلة الثانية من المبادرة (2 Replicator)، التي تتناول أولوية مواجهة التهديد الذي تشكّله المسيّرات غير المأهولة على المنشآت الأميركية الأكثر أهمية وتجمعات الجنود، وسيساعد البرنامج في التغلب على التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في مجالات الابتكار التكنولوجي العسكري.
وتعمل مبادرة “ريبليكيتور” على تعزيز التعاون بين البنتاغون وشركات القطاع الخاص، وشاركت أكثر من 500 شركة في المبادرة من خلال مجموعة متنوعة من التطبيقات، وحصلت أكثر من 30 شركة على عقود مع البنتاغون.
ويصف موقع وحدة الابتكارات الدفاعية، التابع للبنتاغون، بموقعه الإلكتروني، مهمتهم بالقول “نحن نبني عالما أكثر أمنا، ونعزز وحدة الاستخبارات الوطنية وأمننا القومي من خلال تسريع اعتماد التكنولوجيا التجارية الرائدة في جميع مستويات الجيش، وتنمية قاعدة الابتكار في الأمن القومي”.
ودفع خروج الكثير من كبار السياسيين للتعليق على الظاهرة، دون معرفة تفاصيلها الحقيقية، إلى مضاعفة التكهنات والتلميحات بوجود شيء ما غير طبيعي.
وقال السيناتور الديمقراطي، من ولاية نيويورك تشارلز شومر، إن هناك حاجة إلى تكنولوجيا جديدة لمساعدة سلطات إنفاذ القانون المحلية على معرفة ما يحدث، في حين ألغى الرئيس المنتخب دونالد ترامب زيارة إلى ملعب الجولف الذي يمتلكه في منتجعه بولاية نيوجيرسي، وقال إن “الحكومة تعرف حقيقة ما يحدث”.
وذكر النائب الجمهوري، من نيوجيرسي جيف فان درو، أن هذه الأجسام الطائرة المجهولة ربما تكون قادمة من “سفينة مسيّرات إيرانية”، وأضاف “حان الوقت للقضاء على التهديد الذي تشكله وإسقاطها”.
توضيح متأخر
وبعد أيام من فوضى التكهنات، صدر بيان مشترك من وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفدرالي وإدارة الطيران الفدرالية ووزارة الدفاع، يوم الثلاثاء الماضي، جاء فيه أن هناك أكثر من مليون طائرة درون مسجلة بشكل قانوني لدى إدارة الطيران الفدرالية الأميركية، ولدى سلطات إنفاذ القانون، ومع تطور المشهد التكنولوجي، يتوقع أن يزداد هذا الرقم بمرور الوقت.
وأضاف البيان أن مكتب التحقيقات الفدرالية تلقى بلاغات عن أكثر من 5 آلاف مشاهدة لطائرة بدون طيار في الأسابيع القليلة الماضية، وتدعم الحكومة الفدرالية مسؤولي الولاية والمسؤولين المحليين في التحقيق من صحة هذه التقارير. وقال “تماشيا مع كل مهمة من مهامنا وسلطاتنا الفريدة، نعمل بسرعة على تحديد أولويات هذه البلاغات ومتابعتها. لقد أرسلنا فرقا تقنية متقدمة إلى تلك المناطق، إضافة إلى المراقبين البصريين المدربين”.
وأشار البيان إلى أنه “بعد فحص البيانات والنصائح الفنية عن كثب من المواطنين المعنيين، لم نرصد أي شيء شاذ، ولا نقيّم النشاط حتى الآن على أنه يمثل خطرا على الأمن القومي أو السلامة العامة للمجال الجوي المدني في نيوجيرسي أو ولايات أخرى في الشمال الشرقي”.
ونوه البيان المشترك إلى وجود “عدد محدود من المشاهدات للطائرات بدون طيار فوق المنشآت العسكرية في نيوجيرسي وأماكن أخرى”، مؤكدا أن مثل هذه المشاهدات بالقرب من منشآت وزارة الدفاع أو فوقها ليست جديدة”.
وعقب انتشار ظاهرة الطائرات المسيرة، خرجت الكثير من التحليلات تشير إلى عدم قدرة الولايات المتحدة، بقدراتها العسكرية والتكنولوجية الفائقة، على مواجهة هجوم بالطائرات المسيرة، أو تتبعها والاشتباك معها في حال توغلت فوق مدن أميركية.
واستدعت هذه الظاهرة ما شهدته السماء الأميركية من اختراق بالون تجسس صيني لمجالها الجوي قبل أن يتم إسقاطه فوق المحيط الأطلنطي بواسطة طائرة إف-22 قبل عامين.
ودفع غياب الشفافية الحكومية الخبيرة زينب توفيكي، الكاتبة المتخصصة في الآثار الاجتماعية للتكنولوجيا بصحيفة نيويورك تايمز، لتقول إنه كان على السلطات الفدرالية أن تستجيب بسرعة وبوضوح لتساؤلات المواطنين.
وأوضحت توفيكي أنه بدلا من ذلك، حصل أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس النواب على إحاطة سرية حول هذا الموضوع، مضيفة أنه “يجب على أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وبالنظر لما اطلعوا عليه، عقد مؤتمر صحفي ومناقشة تفاصيل ما هو معروف بشفافية قبل أن تدفع هذه السرية إلى وقوع كوارث في حالات أخرى”.