ما وراء منع تصويت الجورجيين في الخارج ومخاوف الحزب الحاكم

موسكو- وافق البرلمان الجورجي على تعديلات مثيرة للجدل في قانون الانتخابات، تحرم المواطنين الجورجيين المقيمين في الخارج من حق التصويت في الانتخابات والاستفتاءات. هذا الإجراء، الذي يهدف إلى منع “التدخل الخارجي” في العملية السياسية، أثار ردود فعل واسعة النطاق وأثار تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في جورجيا، خاصةً فيما يتعلق بـقانون الانتخابات الجديد.
وقد قدم حزب “الحلم الجورجي” الحاكم هذه التعديلات، مبرراً إياها بالحاجة إلى حماية السيادة الوطنية والتصدي لما يسميه “النفوذ الأجنبي”. وتزعم الحكومة أن الجالية الجورجية في الخارج تخضع لتأثيرات سياسية أجنبية قد تؤثر سلبًا على خياراتهم الانتخابية، مما يضر بالعملية الديمقراطية. هذا القرار يأتي في سياق التوتر السياسي القائم في البلاد، والجدل حول علاقاتها مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي.
تطلعات وقيود قانون الانتخابات
ترى الحكومة أن حرمان المقيمين في الخارج من التصويت يضمن نزاهة الانتخابات، حيث يعتقدون أنهم أقل عرضة للتأثيرات الداخلية. ويرى رئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي أن المعلومات التي يتلقاها الجورجيون في الخارج عن الوضع الداخلي تكون مشوهة إلى حد كبير بسبب وسائل الإعلام الأجنبية، مما يؤثر على قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة.
لكن المعارضة والجزء الأكبر من المراقبين المستقلين يرفضون هذه المبررات ويعتبرونها محاولة لتقويض الديمقراطية والسيطرة على العملية الانتخابية. ويشيرون إلى أن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى إبعاد الناخبين الذين يميلون إلى دعم أحزاب المعارضة، خاصةً بعد النتائج التي أظهرت تفوق المعارضة في مراكز الاقتراع الخارجية خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2024.
تداعيات على الجالية الجورجية
يعتقد خبراء أن هذا القانون قد يؤدي إلى تفاقم عزلة الجالية الجورجية في الخارج وتقليل مشاركتهم في الحياة السياسية لبلادهم. يخشى المراقبون من أن هذا الإجراء قد يدفع المزيد من الجورجيين إلى الهجرة، ويؤثر سلبًا على علاقات جورجيا مع الدول التي تحتضن جاليات كبيرة من مواطنيها.
وفي المقابل، تؤكد السلطات أن الخطوة ضرورية للحفاظ على الاستقرار السياسي ومنع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية. وتدعي أن بعض القوى الغربية تسعى إلى زعزعة الأمن في جورجيا، وتستغل الجالية الجورجية في الخارج لتحقيق مصالحها الخاصة.
“تلاعب” سياسي بالعملية الانتخابية
يرى المحلل السياسي جيلا فاسادزه أن التعديلات على قانون الانتخابات تمثل خطوة غير دستورية وتنتهك حقوق المواطنين. ويشير إلى أنها تشكل شكلاً من أشكال “التلاعب السياسي” يهدف إلى إقصاء الناخبين الذين يفضلون أحزاب المعارضة.
ويستند فاسادزه في تحليله إلى حقيقة أن الجالية الجورجية في الخارج تميل بشكل كبير إلى دعم قوى المعارضة، وهو ما تجلى بوضوح في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ويرى أن الحكومة تسعى من خلال هذا القانون إلى تغيير ميزان القوى لصالحها، وتقويض الديمقراطية في البلاد.
أبعاد جيوسياسية للقرار
لا يقتصر تأثير قانون الانتخابات الجديد على المشهد السياسي الداخلي، بل يمتد ليشمل العلاقات الخارجية لجورجيا. تأتي هذه التعديلات في وقت تشهد فيه البلاد ضغوطًا متزايدة من الغرب لتبني سياسات أكثر ليبرالية وديمقراطية، وتقارب أكبر مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
في المقابل، تحافظ الحكومة الجورجية على علاقات براغماتية مع روسيا، وترفض الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة عليها. ويرى البعض أن هذا القانون يمثل رسالة واضحة للغرب مفادها أن جورجيا لن تتنازل عن سيادتها وستواصل اتباع سياستها الخاصة.
مستقبل العملية الديمقراطية
أثار إقرار هذه التعديلات انتقادات حادة من المؤسسات الغربية، حيث وصف البرلمان الأوروبي الانتخابات الأخيرة بأنها “مزورة”، واعتبر البرلمان الجورجي “غير شرعي”. كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد من المسؤولين في حزب “الحلم الجورجي”.
من المتوقع أن يشهد الأيام القادمة احتجاجات واسعة النطاق من قبل المعارضة والجالية الجورجية في الخارج، بالإضافة إلى مزيد من الضغوط الدولية على الحكومة. ويراقب المراقبون عن كثب رد فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وما إذا كانت ستتخذان إجراءات إضافية ضد الحكومة الجورجية. من المرجح أن تتصاعد الأزمة السياسية في جورجيا، وأن يشكل مستقبل العملية الديمقراطية تحديًا كبيرًا للبلاد في الأشهر القادمة.





