مخاطر الاعتماد على الأسهم لإنقاذ الضمان الاجتماعي بأمريكا
طرحت حملة ترامب وكذلك إدارة بايدن-هاريس فكرة تأسيس صندوق ثروة سيادي أمريكي قبل بضعة أسابيع، وهي فكرة سيئة بصفة عامة للولايات المتحدة، لكن هناك في المقابل نسخة مثيرة للاهتمام لهذه الفكرة على الأقل.
بالنسبة لصندوق ثروة سيادي، يحتاج المرء إلى ثروة سيادية، وتحديداً إلى فائض في الثروة السيادية. والولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها أي فائض، فلا يوجد تراكم زائد من احتياطات النقد الأجنبي، مثلما هي الحال في كل من سنغافورة والصين، وليست هناك تدفقات نقدية ضخمة من الغاز والنفط، مثل النرويج والسعودية، بل تعاني الولايات المتحدة من عجز كبير في الميزانية، وتستخدم أي أموال تتوفر من النفط، لتقليص هذا العجز.
وفي ظل الافتقار للفائض، هناك طرق أخرى لجمع الأموال، مثل إصدار الديون أو فرض ضرائب جديدة أو تعريفات جمركية، وهي غالباً مجرد طرق لنقل الأموال من مكان إلى آخر. والواقع أن الأموال التي تجمعها الحكومة من الضرائب والاقتراض يمكن استثمارها أو إنفاقها في جهات أخرى. ولن تكون هناك فائدة صافية إلا إذا استثمرتها الحكومة بطريقة تنمو بها أو بطريقة استراتيجية.
أضف إلى ذلك العوائق السياسية (إذ من السهل تخيل موقف الكونغرس تجاه كومة من الأموال تقع خارج سلطاته)، والتكرار (البرامج الفيدرالية تستهدف بالفعل القطاعات التي قد يدعمها صندوق)، والآثار السوقية (المزاحمة، وتضخم الأصول).
لكنّ هناك صندوقاً من الأموال الأمريكية يمكنه أن يستفيد من عوائد أعلى، فالضمان الاجتماعي، أو برنامج معاشات التقاعد الأمريكية للمواطنين يعاني من توقعات مالية ضعيفة.
وفي ذات مرة، تجاوزت عائدات ضريبة الرواتب خطة نفقات التقاعد، وتم استثمار الفائض النقدي في سندات الخزانة، لكن بداية من عام 2021، بدأت النفقات تتجاوز التدفقات، وبدأت إدارة الضمان الاجتماعي في سحب الأموال المدخرة لتعويض الفارق.
ويتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس أن الاحتياطيات، التي تبلغ حالياً نحو 2.7 تريليون دولار، ستنفد في غضون عشر سنوات. وسيستمر دفع مستحقات التقاعد بعد نفاد الأموال، لكن بدون وجود مصدر جديد للتمويل، لذلك سيتم تخفيض قيمة المستحقات بنسبة 23% في البداية، وقد تستمر في الانخفاض مع زيادة أعمار السكان الأمريكيين.
وقد طرح السيناتور بيل كاسيدي والسيناتور المستقل أنجوس كينج، ومجموعة من الخبراء والاقتصاديين، فكرة إعادة استثمار أموال صناديق الضمان الاجتماعي في السوق لتحقيق عوائد أعلى.
والآن لنأخذ الفكرة إلى أبعد من ذلك، إذ يمكن للحكومة الأمريكية الاقتراض بسعر الفائدة لسندات الخزانة طويلة الأجل (4% أو نحو ذلك)، والاستثمار في الأسهم الأمريكية (متوسط عائدات طويلة الأجل يتراوح بين 6 و7%)، لتذهب بعد ذلك عائدات المراجحة إلى صناديق احتياطي الضمان الاجتماعي.
قد يسمح هذا للحكومة الأمريكية، فعلياً، بتأسيس صندوق سيادي للثروة بهدف واحد ومحدد، هو تحقيق عوائد أفضل لصالح خطة معاشات تقاعدية أفضل تمويلاً، فلا توجد استثمارات استراتيجية في القطاعات الناشئة من النوع الذي يتصوره هاريس وترامب، بل مجرد مراجحة.
فهل يمكن أن ينجح ذلك؟ لقد وضعنا نماذج بسيطة للغاية لثلاثة سيناريوهات: الأول هو استثمار الاحتياطات الحالية في السوق (ليس مراجحة في حد ذاتها)، والثاني هو استثمار الاحتياطات و1.5 تريليون دولار إضافية يتم جمعها من خلال إصدار سندات، أما الثالث، فهو استثمار الأموال الحالية واقتراض ما قد تحتاجه الحكومة لتمويل الضمان الاجتماعي حتى عام 2055.
وفي هذا السياق، افترضنا الآتي:
• افترضنا أن الأموال التي ستستثمر في الأسواق الأمريكية ستحقق العوائد التاريخية المعتادة البالغة 6.9% سنوياً، متجاهلين في ذلك الاحتمال الواقع للغاية بتغير هذا المتوسط على فترات خلال السنوات المقبلة. بعبارة أخرى، تجاهلنا التداعيات السياسية والمالية التي قد تنشأ عن انهيار محتمل للسوق.
• افترضنا أيضاً أن مشتريات الحكومة من الأسهم ستكون معفاة من الضرائب عند البيع.
• تجاهلنا احتمالية أن يؤدي طرح ضخم جديد لسندات الخزانة إلى دفع العوائد للارتفاع من مستوياتها الحالية، واحتمال أن يؤدي استثمار حكومي بعدة تريليونات في أسواق الأسهم الأمريكية إلى تضخم أسعار الأصول وتقليل العوائد.
• افترضنا بصورة مبسطة دخول الأموال الجديدة للصندوق في بداية العام، وأن تدفع المستحقات في نهاية العام.
وجدنا، استناداً إلى هذه الافتراضات، أن استثمار الاحتياطات الحالية البالغة 2.7 تريليون دولار في الأسهم وليس في سندات الخزانة، لن يطيل عمر الاحتياطات إلا إلى عام 2040، أي ستة أعوام فقط.
وبالنسبة للسيناريو الثاني، ستتم زيادة الاحتياطيات بـ1.5 تريليون دولار من الأموال التي يتم جمعها اليوم بعائد سندات الخزانة الحالي لمدة 30 عاماً، وتترك الأموال الجديدة لتتراكم حتى عام 2040، وعندها يبدأ إنفاقها.
وسيمدد هذا الضخ النقدي الهائل عمر الصندوق حتى عام 2046 فقط، إلا أنه يبقى أمراً جيداً ويستفيد من المراجحة بين معدلات الاقتراض الحكومية ومتوسط عوائد السوق، لكنه لا يزال يمنح الضمان الاجتماعي 12 عاماً إضافية فقط، وفقاً لأحدث تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس، وفي الوقت نفسه سيزيد ديون الولايات المتحدة بنسبة 4% لمدة عام واحد فقط، وسيضاعف العجز السنوي للموازنة.
وفي السيناريو الثالث، قمنا بحساب الأموال التي ستمول الضمان الاجتماعي بالكامل بحلول عام 2055. وللقيام بذلك، ستحتاج الحكومة الأمريكية إلى اقتراض ما يقل قليلاً عن 2.4 تريليون دولار واستثمارها اليوم.
وحتى بموجب أكثر الافتراضات إيجابية، فالعوائد الإضافية التي ستقدمها أسواق الأسهم لن تفعل الكثير لحل مشكلات التمويل التي يعانيها الضمان الاجتماعي، ومع ذلك فما زالت التدفقات الهائلة للأموال مطلوبة. ورغم أن العوائد الإضافية ستكون مفيدة، لكنها ستأتي بشتى المخاطر الحقيقية التي تجاهلناها في نموذجنا الافتراضي، ناهيك عن إمكانية الخلاف السياسي، وتشويه السوق.