مرضى السرطان بالأردن أمام تحول نوعي في تغطية علاجهم

عمّان- في ظل ارتفاع معدلات الإصابة بـالسرطان في الأردن، وتزايد الأعباء المالية على المرضى والمؤسسات الصحية، أعلنت الحكومة الأردنية عن توفير علاج مجاني لمرضى السرطان لأكثر من 4 ملايين مواطن. يمثل هذا القرار تحولاً كبيراً في نظام الرعاية الصحية، والانتقال من نظام الإعفاءات التقليدي إلى نظام تأمين صحي رقمي يهدف إلى تخفيف الضغوط على البنية الطبية والاجتماعية في المملكة.
جاء هذا الإعلان في وقت تشير فيه البيانات الصحية إلى زيادة ملحوظة في أعداد حالات الإصابة بالسرطان خلال العقد الماضي. يعزو خبراء هذه الزيادة إلى تحسن قدرات التشخيص والكشف المبكر، وارتفاع متوسط العمر، بالإضافة إلى عوامل مرتبطة بأنماط الحياة والبيئة. ويأتي القرار كاستجابة لتحديات متزايدة تواجه المرضى في الحصول على العلاج المناسب في الوقت المناسب.
برنامج التأمين الصحي لمواجهة السرطان
ورغم وجود مؤسسات متخصصة في علاج الأورام، مثل مركز الحسين للسرطان، إلا أن تكلفة العلاج ظلت عبئاً كبيراً على الأسر الأردنية. يحتاج المريض إلى تدخلات علاجية طويلة ومكلفة، تشمل الجراحة والعلاج الإشعاعي والكيميائي، بالإضافة إلى العلاجات المناعية الحديثة. هذا الواقع دفع آلاف الأسر إلى السعي للحصول على إعفاءات حكومية، وهي عملية كانت تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب إجراءات معقدة.
بموجب الاتفاقية الموقعة بين الحكومة ومؤسسة الحسين للسرطان، سيتم تغطية ثلاث فئات رئيسية: الأطفال والشباب حتى سن 19 عاماً، وكبار السن فوق 60 عاماً الذين لا يملكون أي تغطية صحية، والأسر المنتفعة من صندوق المعونة الوطنية. يهدف هذا التوسع في التغطية إلى ضمان حصول جميع الفئات الأكثر احتياجاً على العلاج اللازم دون تحمل أعباء مالية إضافية.
التحول الرقمي وتسهيل الوصول للعلاج
ولتنفيذ هذا التحول، أطلقت وزارة الاقتصاد الرقمي “بطاقات التأمين الحكومي” إلكترونياً، مما يتيح للمواطنين الحصول على بطاقاتهم الرقمية دون الحاجة إلى معاملات ورقية. كما تم إطلاق منصة للاستعلام عن شمول التأمين باستخدام الرقم الوطني، مما يسهل على المرضى التحقق من أهليتهم للحصول على العلاج المجاني. يعتبر هذا التحول الرقمي خطوة مهمة نحو تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية.
ورصدت الحكومة 124 مليون دينار في موازنة العام المقبل 2026 لتنفيذ البرنامج، بينما ستتحمل مؤسسة الحسين للسرطان 8.5 ملايين دينار من التكلفة الإجمالية المقدرة بنحو 132.5 مليون دينار. يعكس هذا التمويل الالتزام الحكومي بدعم مرضى السرطان وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم.
الأثر الإنساني والاجتماعي للقرار
يأتي هذا القرار ليخفف من المعاناة الإنسانية التي يواجهها مرضى السرطان وأسرهم. تتحدث أم هاشم، وهي سيدة ستينية تتلقى العلاج من سرطان الثدي، عن التغيير الذي قد يحدثه الإعلان عن التغطية الجديدة في مسار علاجها. وتقول إنها كانت تنتظر لأيام للحصول على الموافقات المطلوبة لمتابعة علاجها، مما أدى إلى تأجيل بعض الجرعات الكيميائية.
وتضيف أن تكلفة العلاج كانت تتجاوز قدرة أسرتها، وأن هاجس عدم القدرة على الاستمرار كان يرافقها باستمرار. إن الإعلان عن التغطية التأمينية خفف من القلق المرتبط بالجانب المالي والإداري، مؤكدة أن البطاقة الرقمية جعلت الوصول إلى العلاج أكثر وضوحاً وسلاسة. هذا يعكس واقعاً عاشته العديد من الأسر التي كانت تضطر لتأجيل العلاج أو اللجوء إلى خيارات أقل فعالية نتيجة للتكلفة أو تعقيد الإجراءات.
ويرى مدير “مركز سميح دروزة للأورام” الدكتور منذر الحوارات أن القرار الأردني يأتي في سياق تحولات أوسع في بنية النظام الصحي. ويشير إلى أن الأردن مقبل على مرحلة مختلفة في التعامل مع السرطان، مع التركيز على تطوير خطط علاجية موحدة في مختلف محافظات الأردن، وتوسيع القدرة الاستيعابية للمراكز المتخصصة. هذا التوسع يهدف إلى تخفيف العبء على مركز الحسين للسرطان، الذي يستقبل آلاف الحالات سنوياً.
وتشير الأرقام إلى زيادة مضطردة في الإصابات بالسرطان في الأردن، حيث يبلغ معدل الإصابة العام حوالي 166 لكل 100 ألف ذكر، و149 لكل 100 ألف أنثى. يُعد السرطان ثاني سبب للوفاة بالأمراض غير السارية، مما يستدعي التركيز على الكشف المبكر وبرامج الدعم للحد منه. تعتبر الوقاية والكشف المبكر من أهم الاستراتيجيات في مكافحة المرض.
من المتوقع أن يبدأ تطبيق برنامج التأمين الصحي الجديد في الأول من يناير 2026. سيتم خلال الفترة القادمة متابعة وتقييم أثر البرنامج على الوصول إلى العلاج، وجودة الرعاية الصحية المقدمة لمرضى السرطان. من الأمور التي يجب مراقبتها مدى كفاءة التحول الرقمي، وقدرة النظام الصحي على استيعاب الزيادة المتوقعة في الطلب على الخدمات، وتوفير الكوادر الطبية المؤهلة.





