مركز إسرائيلي: الصدمة النفسية لهجوم 7 أكتوبر ستكلف غاليا وتهدد مستقبل القوى العاملة

لا تقتصر خسائر الحروب على الدمار المادي والإنفاق العسكري المباشر، بل تمتد آثارها العميقة إلى الصحة النفسية للمجتمعات، وما يترتب عليها من أعباء اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد. ويكشف تقرير حديث عن مركز “ناتال” الإسرائيلي أن الصدمة النفسية الناجمة عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب اللاحقة تمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، وتُهدد رأس المال البشري والنمو المستدام لإسرائيل لسنوات قادمة، مما يجعل معالجة الصحة النفسية أولوية قصوى.
ويشير التقرير إلى أن أكثر من 600 ألف إسرائيلي يعانون من آثار نفسية تعيق قدرتهم على العمل أو التعلم، مع وجود عشرات الآلاف ممن يحتاجون إلى تدخل علاجي طويل الأمد. هذه الأرقام الصادمة تبرز حجم الأزمة الإنسانية والنفسية التي تواجهها إسرائيل، وتلقي الضوء على التداعيات الاقتصادية المحتملة.
التداعيات الاقتصادية لـالصحة النفسية المتدهورة في إسرائيل
وتقدر الكلفة الإجمالية لهذه الأزمة بنحو 500 مليار شيكل (حوالي 160 مليار دولار) خلال السنوات الخمس القادمة، وفقًا للصحفية مايان هوفمان في موقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي. لا تقتصر هذه الكلفة على النفقات المباشرة للعلاج، بل تشمل أيضًا تآكل رأس المال البشري، وتراجع الإنتاجية، وارتفاع معدلات المرض والعنف والإدمان.
تأثير الأزمة على القوى العاملة
ويوضح التقرير أن العديد من العاملين، خاصةً في الفئة العمرية 25-38 عامًا، يجدون صعوبة في العمل بكفاءة أو يضطرون إلى تغيير مساراتهم المهنية إلى مجالات أقل تطلبًا بسبب الإرهاق النفسي. هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى خسارة في الكفاءات المتخصصة ويؤثر سلبًا على قطاعات حيوية مثل الهندسة والتكنولوجيا.
وتشير البيانات إلى قفزة غير مسبوقة في معدلات اضطراب ما بعد الصدمة في إسرائيل، والتي قد تصل إلى 30% من السكان. هذا الرقم يتجاوز بكثير المتوسط العالمي، مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تدخلات فعالة لدعم الصحة النفسية للمتضررين.
ارتفاع معدلات المشكلات الاجتماعية
بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية، يربط التقرير بين الأزمة النفسية وارتفاع حاد في حوادث الطرق القاتلة، والعنف الأسري، وتعاطي المخدرات، واستخدام المهدئات والأفيونات. كما يلاحظ التقرير زيادة مقلقة في أمراض القلب والسكتات الدماغية المرتبطة بالإجهاد النفسي، مما يشير إلى تأثير الأزمة على الصحة الجسدية أيضًا.
ويؤكد معدو التقرير أن هذه الظواهر ليست جديدة، بل تكررت بعد حروب سابقة، مما يعزز مصداقية التوقعات الحالية. فالخبرات السابقة تُظهر أن عدم معالجة الصدمات النفسية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة.
الاستثمار في الصحة النفسية كحل اقتصادي
في المقابل، يقدم التقرير رؤية بديلة تركز على الاستثمار المبكر في الصحة النفسية كخيار اقتصادي رشيد. وتستند هذه الرؤية إلى دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية تُظهر أن كل دولار يُنفق على علاج القلق والاكتئاب يمكن أن يحقق عائداً يصل إلى 4 أضعاف من خلال تحسين الإنتاجية وتقليل الكلف المستقبلية. عدم الاستثمار في هذا المجال، من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
ويوصي التقرير بإجراء إصلاحات هيكلية تشمل توسيع خدمات الصحة النفسية المجتمعية، ودمج العلاج النفسي مع إعادة التأهيل المهني، وتعزيز التنسيق الوطني بين المؤسسات المختلفة. كما يدعو إلى تبني مفهوم “العمل الحساس للصدمة” في أماكن العمل والتعليم والرعاية الصحية.
الرفاهية النفسية ضرورية لضمان استقرار المجتمع وقدرته على التكيف مع التحديات. التركيز على الدعم النفسي والاجتماعي يمكن أن يساعد في بناء مجتمع أكثر مرونة وقدرة على التعافي.
ويخلص التقرير إلى أن كلفة الصدمة النفسية لا تقتصر على النفقات العلاجية، بل تشمل أيضًا الخسائر في الطاقات البشرية والفرص الضائعة للنمو. بينما لا تزال إسرائيل في “المرحلة الحادة” من الأزمة، يرى معدو التقرير أن التدخل السريع يمكن أن يمنع تحول الصدمة إلى عبء اقتصادي واجتماعي مزمن.
وتشير معظم الدراسات إلى أن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أفرز نموذجًا معاصرًا لاضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطراب نفسي يظهر بعد التعرض لحدث مرهق أو مرعب. هذا الاضطراب يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الأفراد والمجتمع على حد سواء.
وتكشف البيانات عن تصاعد معدلات الانتحار بين عناصر الجيش الإسرائيلي بعد الهجوم، مما يفرض ضرورة دراسة هذه الظاهرة في ضوء النظريات النفسية والاجتماعية. إسرائيل تتصدر دول الشرق الأوسط في معدلات الانتحار، مما يجعل هذه القضية أكثر إلحاحًا.
من المتوقع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في تقييم الأثر النفسي للازمة وتطوير خطط لدعم المتضررين. سيتم التركيز على توفير خدمات الصحة النفسية، وتعزيز الوعي بأهمية الرعاية الذاتية، وتوفير الدعم الاجتماعي للأفراد والأسر المتضررة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على تخصيص الموارد الكافية والتنسيق الفعال بين مختلف الجهات المعنية.





