مصادر تكشف للجزيرة نت تجاوب ترامب مع مقترح للاستثمار في إيران

طهران– كشف مصدر إيراني مطلع أن بلاده سبق وعرضت على الولايات المتحدة الاستثمار لديها بنحو ألف مليار دولار، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعامل بإيجابية مع المقترح، مضيفا أن الرئيس مسعود بزشكيان تمكن بالفعل من كسب موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي على ذلك.
وردا على التهديدات الأميركية باستهداف إيران إذا لم تتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي خلال شهرين، كان علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني أول من تحدث عن إمكانية التركيز على المصالح الاقتصادية بين البلدين بدلا من المقامرة بحياة الجنود الأميركيين.
وفي مقابلته مع التلفزيون الرسمي قبل أسبوعين، لم ينس لاريجاني أن يرد على تهديدات ترامب بالقول إن “أي خطأ أميركي تجاه النووي الإيراني سيجبرنا على اتخاذ مسارات أخرى، وقد يضطرنا تحت ضغط الشعب إلى تصنيع سلاح نووي”.
ولكن وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية ركّزت على موقفه الأخير وفسرته على أنه تهديد وتلويح بإمكانية تغيير طهران عقيدتها النووية، تاركة تصريحاته بشأن الفرص المتاحة للاستثمار الأميركي في إيران، ما دفعه أن يبرزها -بعد أيام- بتغريدة على منصة إكس.
إيران جنة للاستثمار
ومنذ أن أشار الرئيس بزشكيان، الأسبوع الماضي، إلى أن المرشد الأعلى لا يعارض استثمار الشركات الأميركية داخل إيران، وأن ما ترفضه طهران هو سياسات واشنطن الخاطئة، وفق قوله، وقد تداولت بعض الصحف الناطقة بالفارسية تقارير عن مقترح إيراني لجذب استثمارات أميركية بمبالغ مغرية جدا، لكن سرعان ما تم تكذيبها على منصات إعلامية أخرى.
واستندت الصحافة الفارسية في تقاريرها إلى صورة لتغريدة عضو مجلس الإعلام الحكومي فياض زاهد، الأسبوع الماضي، تزامنا مع الإعلان عن عزم الجانبين عقد مفاوضات في العاصمة العُمانية. إذ كتب -قبل حذف تغريدته- أن “التأكيد على إستراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية هو الذي عزز الدبلوماسية السياسية. لقد تم تقديم مقترح شامل (ألف مليار دولار) وقد طرح الرئيس بزشكيان هذا الموضوع على المرشد الأعلى، وحصل على ترخيص. ثم نُقِلَ إلى الأميركيين وبدأت الكرة بالدحرجة. وسنقدم تفاصيل أوفى مستقبلا. إيران جنة للاستثمار”.
وفي غضون ذلك، علمت الجزيرة نت -من مصدر إيراني مطلع اشترط عدم الكشف عن هويته- أن المقترح باستثمار القطاع الخاص الأميركي في إيران ليس جديدا وإنما سبق وطرح خلال حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ليكون خطوة أولية نحو التطبيع من بوابة الاقتصاد بدلا من بوابة السياسة، لكنه اصطدم حينها بمعارضة بعض الأوساط الداخلية، وأن بعض الأوساط الإيرانية عملت على إحيائه في المرحلة الراهنة.

خلف الكواليس
وكشف المصدر نفسه أن حسين مرعشي أمين عام حزب “كوادر البناء” المعتدل، وفياض زاهد وهو ناشط سياسي إصلاحي وعضو في مجلس الإعلام الحكومي الإيراني، التقيا قبل نحو 40 يوما أحد كبار التجار ورجال الأعمال المقربين من الرئيس الأميركي في إحدى دول الجوار، وعرضا عليه مقترحا يتيح لأميركا استثمار ألف مليار دولار في إيران خلال 20 عاما مقابل حصوله على مقادير محددة من النفط والغاز.
وتابع أن الجانب الأميركي قد تعاطى بإيجابية مع المقترح الإيراني، مشيرا إلى ترحيب ترامب به، وأن طهران تلقت رسالة حول موافقته عبر رجل الأعمال الذي قام بالوساطة، مضيفا أن الرئيس بزشكيان قد عقد اجتماعات مكثفة مع المرشد الأعلى والأوساط السياسية والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية وتمكن من الحصول على موافقة السلطات العليا.
وبينما أكد المتحدث نفسه أن بلاده وضعت خططا لاستثمار القطاع الخاص الأميركي لديها، ختم بالقول إن خامنئي لم يعارض استثمار الشركات الأميركية في إيران لكنه اشترط مراقبة الجهات المعنية على تلك المشاريع الاقتصادية لمنع الشركات الإسرائيلية من التسلل إلى البلاد تحت غطاء الشركات الأميركية.

مجالات الاستثمار
من ناحيته، اعتبر الباحث الاقتصادي عبد الرضا داوري عدم انتفاع الجانب الأميركي اقتصاديا من الاتفاق النووي المبرم بين طهران والمجموعة السداسية عام 2015 عاملا أساسيا وراء انسحاب ترامب منه، وأن فتح الباب أمام الشركات الأميركية يعزز فرص التوصل إلى اتفاق مشابه بين طهران والإدارة الأميركية الحالية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح داوري أن عجلة الاستثمار الأجنبي في إيران توقفت منذ عقد بسبب العقوبات الأميركية، وأن بلاده بحاجة ماسة لاستقطاب الاستثمارات لإكمال بعض المشاريع المجمدة والشروع بأخرى في العديد من المجالات لاسيما النفط والغاز والبتروكيمياويات والمصافي.
ورأى أن بلاده سوف تنتفع جراء نقل التكنولوجيا الأميركية إليها، موضحا أن العجز الذي تعانيه بلاده في قطاع الطاقة يحتم عليها جذب استثمارات عاجلة لتحديث قطاع الكهرباء وبناء محطات جديدة إلى جانب الاستثمار في الطاقة الشمسية والمناجم ومنها الليثوم المستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية وكذلك تحديث قطاعي النقل الجوي والسككي.
وختم داوري حديثه بالقول إن العديد من المشاريع الاقتصادية مجمدة في بلاده لإنها بحاجة إلى نحو ألفي مليار دولار لتنفيذها، مؤكدا أن حضور الشركات الأميركية كفيل بعودة الشركات الغربية والشرقية إليها وذلك بعد خروجها إثر انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة العقوبات على طهران.

لا تغيّر في السياسات
وعما إذا حصل هناك تغيّر في الموقف الإيراني تجاه الولايات المتحدة التي تعتبرها “الشيطان الأكبر” توجهنا بالسؤال إلى الناشط السياسي المحافظ السفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، الذي نفى أي تغيير في سياسات طهران المبدئية حيال واشنطن.
وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد أبيانه إمكانية التقارب بين طهران وواشنطن أو التوصل إلى اتفاق مستديم بينهما خلال الفترة المقبلة، ذلك لأن واشنطن لم تغير سياساتها تجاه الشعب الإيراني، وأن حالة العداء ستبقى سيدة الموقف في علاقاتهما إلى أن تعدّل الحكومات الأميركية سياساتها تجاه الشعوب المضطهدة لا سيما الشعب الفلسطيني.
واستدرك أن المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن سوف تثبت للشعب الإيراني والرأي العام العالمي أنه لا فائدة من التفاوض من أجل حلحلة الخلافات مع الولايات المتحدة، لأن الأخيرة تأتي لفرض إرادتها على طاولة المفاوضات وليس حلها.
وخلص إلى أن الأطراف التي ترغب بالاستثمارات في دولة تتوجه إليها بالأدوات الصناعية وليس بحاملات الطائرات وقاذفات القنابل، مستدركا أن بلاده لن تبدأ حربا ولكنها سترد بما تمتلك علی أي اعتداء، وأن جميع المصالح الأميركية في المنطقة بما فيها قواعدها العسكرية ستكون في مرمى النيران الإيرانية بعد إطلاقها أول رصاصة على العمق الإيراني.