مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي

في قلب بغداد، وتحديداً في شارع المتنبي العريق، تبرز مبادرة فريدة من نوعها تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة. “مكتبة الحكمة”، وهي مكتبة صغيرة تقع في قبو متواضع، يقودها عدنان جعفر غني، لتصبح ملاذاً للباحثين عن العلم والمعرفة، ومصدراً للكتب بأسعار رمزية أو مجانية للراغبين في القراءة.
تأسست المكتبة قبل ثلاثة عقود، وأصبحت على مر السنين نقطة جذب للطلاب والأكاديميين والمثقفين، وحتى العابرين الذين يجدون فيها متعة اكتشاف عوالم جديدة من خلال الكتب. يحرص غني على توفير مجموعة متنوعة من الكتب تغطي مختلف المجالات، مما يجعلها وجهة شاملة لكل من يبحث عن المعرفة.
أهمية ثقافة القراءة في المجتمع العراقي
تأتي هذه المبادرة في وقت يشهد فيه العراق تحديات ثقافية واجتماعية، حيث يواجه المجتمع صعوبات في تعزيز القراءة والاطلاع. ويرى مراقبون أن مبادرة غني تمثل جهداً فردياً قيماً للحفاظ على التراث الثقافي العراقي وتشجيع الأجيال القادمة على حب الكتاب.
يعتمد غني في تجميع الكتب على مصادر متعددة، بما في ذلك التبرعات من الأفراد والمكتبات الأخرى، بالإضافة إلى الكتب التي تُترك كإرث من الأجيال السابقة. ويؤكد على أن الهدف الأساسي ليس الربح المادي، بل نشر الوعي بأهمية القراءة وجعلها في متناول الجميع.
دور شارع المتنبي في دعم المبادرات الثقافية
يُعد شارع المتنبي، المعروف بتاريخه العريق كمركز ثقافي في بغداد، بيئة مثالية لنمو مبادرات مثل “مكتبة الحكمة”. يشهد الشارع إقبالاً كبيراً من القراء والمثقفين، ويستضيف العديد من الفعاليات الثقافية التي تساهم في تعزيز الوعي الثقافي.
صرح جاسم الشويلي، أحد رواد المكتبة، بأنها “مبادرة جيدة للمجتمع، خاصة للطلاب والقراء الذين يستفيدون من الكتب مجاناً”. وأضاف أن غني يوزع الكتب بشكل دوري على المحتاجين وغيرهم، إيماناً منه بأهمية القراءة في بناء مجتمع واعٍ ومثقف.
بالإضافة إلى الكتب المتوفرة، تقدم المكتبة أيضاً خدمة الإعارة، مما يتيح للقراء الاستمتاع بمجموعة واسعة من الكتب دون الحاجة إلى شرائها. ويشجع غني الشباب على زيارة المكتبة والاستفادة من الكتب المتوفرة، مؤكداً على أن القراءة هي مفتاح التقدم والازدهار.
تحديات تعزيز القراءة في العراق
على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز القراءة في العراق، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا الهدف. تشمل هذه التحديات نقص الموارد المتاحة للمكتبات، وتراجع مستوى التعليم، وانتشار وسائل الإعلام البديلة التي تجذب انتباه الشباب.
يرى صفي أحمد، وهو صاحب مكتبة أخرى في شارع المتنبي، أن المجتمع العراقي يعاني من “أزمة ثقافة اجتماعية على كل الأصعدة”. وأشار إلى ضرورة إقامة صالونات ثقافية وندوات توعوية لتسليط الضوء على أهمية القراءة ودورها في بناء مجتمع واعٍ ومتحضر. كما أضاف أن المحتوى الرقمي يلعب دوراً متزايداً في جذب انتباه الشباب، مما يتطلب تطوير استراتيجيات جديدة لتعزيز القراءة في العصر الرقمي.
وتشير التقديرات إلى أن معدلات القراءة في العراق لا تزال منخفضة مقارنة بالدول الأخرى. ويعزو الخبراء ذلك إلى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلاد، بالإضافة إلى نقص الدعم الحكومي للمبادرات الثقافية.
مبادرة “مكتبة الحكمة” ليست مجرد مكتبة تبيع الكتب، بل هي رمز للأمل والتفاؤل في مستقبل أفضل للعراق. إنها دليل على أن القراءة لا تزال حية في قلوب العراقيين، وأن هناك من هم على استعداد لبذل الجهد للحفاظ عليها وتعزيزها.
من المتوقع أن تستمر “مكتبة الحكمة” في تقديم خدماتها للمجتمع، وأن تشهد المزيد من النمو والتطور في المستقبل. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يعتمد على الدعم المستمر من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة. ويجب على الجهات المعنية العمل معاً لتوفير الموارد اللازمة لتعزيز القراءة في العراق، وضمان وصولها إلى جميع المواطنين.





