من تستهدف طهران من وراء تكثيف مناوراتها العسكرية؟
طهران – على وقع التوتر المتفاقم منذ أكثر من عام مع إسرائيل، أطلقت إيران في الرابع من يناير/كانون الثاني الجاري سلسلة مناورات عسكرية بمشاركة الآلاف من قوات الحرس الثوري والجيش في مناطق واسعة من البلاد لإظهار جاهزيتها ومواجهة التهديدات ومحاكاة تصدي أنظمتها الدفاعية لحرب حقيقية متعددة الجبهات.
فبعد أسبوع من تمرينات الحرس الثوري العسكرية الكبرى بعنوان مناورات “الرسول الأعظم- 19″، التي كشف فيها عن أحدث طائرة مسيرة انتحارية باسم “رضوان” ومنظومة 358 للدفاع الجوي، بدأ الجيش فجر أمس الأحد مناورات جوية أطلق عليها اسم “اقتدار 1403” لمواجهة التهديدات الجوية والصاروخية والحرب الإلكترونية.
وتضمنت المرحلة الأولى من المناورات تمرينا مشتركا للوحدات الجوية في الحرس الثوري والقوة البرية في الجيش للدفاع عن منشأة نطنز النووية وسط البلاد بمواجهة هجمات وهمية بالقنابل والصواريخ والطائرات المسيرة.
مدينة صاروخية
في غضون ذلك، أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري اللواء علي محمد نائيني أن التدريبات العسكرية المتواصلة سوف تستمر حتى منتصف مارس/آذار المقبل بمشاركة الوحدات البحرية والجوية والتعبئة الشعبية.
في السياق، كشفت طهران السبت الماضي عن قاعدة صاروخية جديدة تحت الأرض بحضور قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده، والقائد العام للجيش الثوري اللواء حسين سلامي، الذي قال إن عدد المنظومات والصواريخ يتزايد بشكل مستمر في كافة أنحاء البلاد.
وأضاف سلامي -في تصريحات نقلها التلفزيون الإيراني- أن بلده يمتلك القوة اللازمة للرد والدفاع عن نفسه ومستعد لكل السيناريوهات، مشيرا إلى أنه سيتم قريبا “الكشف عن مدن للصواريخ والمسيرات لإظهار الجانب المخفي لقوة وعظمة إيران”.
وبث التلفزيون الإيراني الرسمي شريطا مصورا لمنشأة سرية تحت الأرض، قيل إنها استُخدمت قبل عدة أشهر لمهاجمة إسرائيل، يظهر فيها كمّ هائل من الصواريخ المتكدسة، ووصف حاجي زاده الموقع السري بأنه “بركان خامد”.
من ناحيتها، أفادت وكالة أنباء تسنيم المقربة من الحرس الثوري بأن القاعدة الصاروخية تضم صواريخ إستراتيجية تعمل بالوقود السائل مثل “عماد” و”قدر” و”قيام”، موضحة أن الصواريخ التي تم عرضها “ليست سوى جزء صغير من المخزون الصاروخي الإيراني، وأن نحو 90% من القاعدة بقي بعيدا عن عدسات الكاميرا”.
علاقة مباشرة
يأتي ذلك بعد مرور أكثر من شهرين على الهجوم الإسرائيلي على مواقع عسكرية ومضادات جوية في العاصمة طهران وعدد آخر من المدن الإيرانية، حيث توعدت السلطات الإيرانية حينها بتنفيذ عملية “الوعد الصادق 3” ضد الاحتلال الإسرائيلي.
والمتابع للشأن الإيراني يلمس علاقة مباشرة بين المناورات الأخيرة والتوتر بين طهران وتل أبيب؛ إذ تجمع المكونات السياسية في الجمهورية الإسلامية على ضرورة تعزيز دفاعاتها الجوية ومضاعفة قوتها الردعية قبل القيام بأي رد عسكري على إسرائيل، لاسيما مع اقتراب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
من جانبها، نشرت قناة “أفق إيران” على منصة تليغرام تعليقا لتفسير سبب تكثيف طهران مناوراتها العسكرية هذا العام، ورأت أنها “تعمل على رفع جاهزيتها على صعيدي الدفاع الجوي والهجومي، بما فيها مواجهة الصواريخ الباليستية وتدمير المضادات الجوية للعدو لاسيما منظومة “ثاد” الأميركية، استعدادا لمواجهة الأحداث والتطورات المحتملة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة”.
وتذهب التقديرات الإيرانية إلى أن رد إسرائيل على أي هجوم عسكري جديد سيكون أشد نطاقا من هجومها السابق، مما يحتم على طهران الارتقاء بمستوى دفاعاتها الجوية، وحض السلطات المعنية على اختبار راداراتها الجوية لرصد ومواجهة نحو 80 هدفا من الصواريخ الباليستية والمسيرات والقنابل الخارقة للتحصينات بشكل متزامن.
من جانبه، يقرأ الباحث العسكري سيد رضي عمادي هذه المناورات في سياق تطورات منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الـ15 الماضية، مؤكدا أن بلده أخذ في مناوراته الأخيرة جميع التهديدات المحتملة بعين الاعتبار ومنها الإلكترونية والبرية والإرهابية والجوية.
وفي مقال نشره على وكالة أنباء إسنا، رأى أن بلاده تعتبر التطورات التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” فرصة لمعرفة الأساليب التي يستخدمها “العدو” ومنها الحرب الإلكترونية، وأن المناورات الأخيرة تهدف إلى تحديث ورفع جاهزية القوات والقدرات العسكرية وتدريب القوات المسلحة لمواجهة شتى التهديدات، كما تهدف إلى إزاحة الستار عن بعض الإنجازات العسكرية.
وتابع أنها ترمي أيضا إلى إرسال عدة رسائل مفادها أن طهران لم تعتمد على أية قوة أجنبية للدفاع عن نفسها، وأنها لم تستخدم سوى جزء يسير من قدراتها العسكرية خلال عمليتي “الوعد الصادق 1 و2″، وأنها “قد تلجأ إلى استخدام عناصر قوتها عندما يرتكب العدو خطأ في الحسابات”.
اختبار القدرات
كما ربط الباحث العسكري سيد رضي عمادي الكشف عن المدينة الصاروخية تحت الأرض بعزم طهران مواصلة تعزيز قدراتها العسكرية، مؤكدا أن تكثيف مناوراتها العسكرية يبعث رسالة إلى الداخل الإيراني في الوقت ذاته بشأن استعداد القوات المسلحة لضمان أمن البلاد ومواجهة التهديدات المحتملة.
وتزامنت المناورات الإيرانية الأخيرة مع تسريبات تتحدث عن تسلّم طهران عددا من مقاتلات سوخوي-35 الروسية الصنع واستعداد القوات الجوية لتشغيلها خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد تأكيد طهران خلال العام الماضي استلامها طائرات مروحية هجومية من طراز “مي-28” ومقاتلات تدريب من طراز “ياك-130” من موسكو.
من ناحيته، نشر الباحث الإستراتيجي علي رضا تقوي مقالا تحت عنوان “فك الشفرة من مناورات مختلفة”، اعتبر فيه أن المناورات الأخيرة “منقطعة النظير من حيث تعدد القوات المشاركة وتنوع التسليح المستخدم فيها”، موضحا أنها تحاكي حربا شاملة؛ إذ تدربت خلالها القوات الإيرانية على شن هجوم على إسرائيل والعمل على مواجهة التهديدات المحتملة وضمان أمن الأهداف الإستراتيجية.
ورأى أن بلاده عرضت اقتدارها من خلال محاكاة عمليات دفاعية وهجومية وإطلاق الصواريخ والمسيرات وتمرين إغلاق مضيق هرمز خلال هذه المناورات، وتوقع زيادة الضغوط على محور المقاومة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، “مما يحتم على القوات المسلحة الإيرانية أن تكون مستعدة لمواجهة شتى السيناريوهات”.
وخلص الباحث إلى أنه مع “بلوغ طهران العتبة النووية لا تُستبعد مغامرة الأعداء بتوجيه ضربات لمنشآتها النووية”، مما يجعل المراقبين ينظرون إلى المناورات الأخيرة كونها أكبر وأهم من تمرين عسكري اعتيادي، بل تهدف لاختبار القدرات العسكرية الوطنية بشكل نهائي وتنبيه قواتها المسلحة إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة.