«من غزة إلى جائزة نوبل».. هل يحقق ترمب السلام؟
دون أن يشير إلى الشرق الأوسط المتفجر في خطاب تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة، ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه سيوقف كل الحروب وسيجلب روحاً جديدة إلى عالم كان غاضباً وعنيفاً وغير قابل للتنبؤ.
هذا التلميح المقتضب للمنطقة التي تغلي منذ سنوات، أثار الكثير من التساؤلات حول مدى اهتمام إدارته الثانية بقضاياها، وما إذا كانت الإشارة إليها تحمل رغم اقتضابها بعبارة واحدة الكثير من الدلالات.
سياسة دونالد ترمب الخارجية، التي عهدتها المنطقة، متسمة بالبراغماتية والقوة، ويمكن استنتاجها من خلال تحركاته السابقة ومواقفه الراهنة، خصوصاً أنه بنى سياسته على فرض الشروط، والدفع بقوة قبل تنصيبه في 20 يناير نحو إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعد أزمة عسكرية دامت أشهراً، متوعداً الأطراف كافة، وليس حماس وحدها، بـ«فتح أبواب الجحيم» إن لم يتم التوصل إلى اتفاق ضمن مهلة محددة.
هذا الضغط السياسي والدبلوماسي شكل محاولة واضحة لبسط النفوذ الأمريكي بشكل مباشر في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في المنطقة، وهو ما أدركه سريعاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سارع إلى التعامل مع الأمر بمرونة غير معهودة، متخلياً عن دعم شخصيات متشددة في حكومته مثل «بن غفير» وسموتريتش، وقدم اتفاق غزة كهدية سياسية لترمب، آملًا في تعزيز العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. كما أن هذه الخطوة جاءت أيضاً لتجنب أي مواجهة مع الرئيس الأمريكي الجديد، خصوصاً بعد أن استغل نتنياهو العلاقة المتوترة مع إدارة بايدن لصالحه سابقاً.
بالعودة إلى اتفاق غزة، يرى مراقبون أنه يشكل اختباراً رئيسياً لسياسة ترمب الخارجية خلال ولايته الثانية، وما إذا كانت هناك محدودية في الطروحات الأمريكية في إيجاد حلول شاملة للنزاعات الإقليمية، خصوصاً أن نتنياهو نفسه لا ينظر إلى الاتفاق كفرصة للسلام، بل كهدنة مؤقتة تُستخدم لاستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس»، قبل العودة إلى التصعيد لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.
هذا النهج يزيد من احتمالية انهيار الاتفاق في أي لحظة، ما يعيد المنطقة إلى دوامة الصراع، والسؤال المطروح هنا: هل يبقى الوضع في الشرق الأوسط متفجراً أو معقداً؟ فمنذ ولاية ترمب الأولى، لم يُظهر الرجل اهتماماً حقيقياً بحل القضية الفلسطينية، واقتراحه السابق لما سُمي بـ«صفقة القرن» قوبل برفض فلسطيني واسع، لأنها طرحت دولة فلسطينية غير قابلة للحياة ومطوقة بالمستوطنات، مع اشتراطات طويلة الأمد لضمان أمن إسرائيل.
عودة ترمب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية تطرح مزيداً من الأسئلة حول إمكانية تكرار هذه السياسات، وما استخلاصه من الحقبة السابقة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة تعكس مشهداً جديداً أمام ترمب الذي يعود إلى البيت الأبيض والشرق الوسط الذي تغير عما كان عليه إبان ولايته الأولى، فدول الخليج، مثلاً، الحليفة التقليدية للولايات المتحدة، أقامت علاقات إستراتيجية مع الصين وطورت تقاربها مع دول أخرى.
وفي خلفية هذه المشاهد، تبرز طموحات ترمب العالمية، التي تتجاوز الشرق الأوسط، فالرجل يسعى لتوسيع حدود الولايات المتحدة عبر ضم كندا وغرينلاند، إضافة إلى استعادة السيطرة على قناة بنما، وهذه الطموحات تهدف إلى تعزيز الردع الأمريكي في مواجهة الصين، التي أصبحت خصماً إستراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة.
كبار السياسيين بواشنطن يعتقدون أن تكون إدارة ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يكون قد تعلم من الفترة الرئاسية السابقة ليدخل البيت الأبيض هذه المرة بنسخة جديدة معدلة تبقي على عامل المفاجأة لكنها تسعى لتوازن في الحكم.
ديفيد جونستون، الصحفي الاستقصائي مؤلف كتاب «The Making of Trump»، يرفض كلياً النظرية القائلة بأن ترمب تغير، ويشير الصحافي الذي تعمق في دراسة ترمب وشخصيته على مدى 40 عاماً، إلى أن أحد أسباب خشية قادة العالم من ترمب هو أنه «شخص لا يمكن توقع تصرفاته، ويجب التصرف معه بحذر خصوصاً في عهده الثاني، في ظل التوقعات بتأييد فريقه كافة قراراته الداخلية والخارجية». ويتساءل: «ماذا سيحدث في السياسة الخارجية؟»، ثم يجيب: «يجب أن ننتظر لنرى. وبرأيي، يجب أن نكون قلقين جداً».
القلق من عودة ترمب إلى البيت الأبيض بطموحات كبيرة وثقة عالية في إيقاف الحروب وجلب روح جديدة للعالم قد تكون البوابة التي سيدخل من خلالها لنيل جائزة نوبل للسلام، لكن السؤال: هل سيكون السلام الذي سيسعى إليه حقيقياً ويعالج جذور الصراعات في المنطقة والعالم أم مجرد وسيلة لنيل جائزة نوبل؟