من مختبرات “ديب مايند” إلى الذكاء الخارق.. قراءة في تجربة “ريفليكشن إيه آي”

في العام الماضي، أسس باحثان من “غوغل ديب مايند” شركة ناشئة باسم “ريفليكشن إيه آي” (Reflection AI)، وهي شركة تهدف إلى إعادة توجيه مسار تطوير الذكاء الاصطناعي نحو نموذج أكثر انفتاحًا وتعاونًا. تسعى الشركة إلى بناء بديل مفتوح المصدر للمختبرات المغلقة، مع التركيز على تطوير وكلاء مستقلين قادرين على تحقيق مستوى الذكاء الفائق، مما يمثل تحولًا كبيرًا في كيفية تطوير ونشر هذه التكنولوجيا.
تأسست “ريفليكشن إيه آي” على يد ميشا لاسكين ويوانيس أنتونوغلو، وهما عالمان بارزان في مجال الذكاء الاصطناعي. يهدف هذا المشروع إلى إحياء روح التعاون العلمي التي كانت أساسية في المراحل الأولى لتطوير الإنترنت، معتقدين أن الانفتاح والمشاركة المجتمعية ضروريان لتحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي الكاملة. تعتبر الشركة نفسها نسخة أمريكية من “ديب سيك” وبديلًا مفتوح المصدر لمختبرات مثل “أوبن إيه آي” و “أنثروبيك”.
خلفية التأسيس ورؤية تطوير الذكاء الاصطناعي
يعود أصل رؤية “ريفليكشن إيه آي” إلى التجارب التي أجراها المؤسسان في “غوغل ديب مايند”. أظهرت هذه التجارب أن التعلم من خلال التجربة يمكن أن يؤدي إلى أداء يتجاوز القدرات البشرية، وأن الجمع بين العمق والاتساع في النماذج هو مفتاح التقدم. وقد ساهم أنتونوغلو بشكل كبير في تطوير “ألفا غو” و “ألفا زيرو” و “مو زيرو”، وهي برامج أثبتت قدرة الذكاء الاصطناعي على التفوق في مجالات معقدة مثل لعبة “غو” والشطرنج.
في الوقت نفسه، قاد لاسكين جهود نمذجة المكافآت في مشروع “جيميناي”، مع التركيز على تحسين أداء النماذج من خلال التعلم التعزيزي. أدرك المؤسسان أن شركة مستقلة يمكنها تسريع وتيرة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تأسيس “ريفليكشن إيه آي” بهدف تطوير وكلاء مستقلين قادرين على الوصول إلى مستوى الذكاء الفائق.
التمويل والنمو
بعد فترة وجيزة من تأسيسها كشركة ناشئة، تلقت “ريفليكشن إيه آي” جولة تمويل كبيرة بقيادة “إنفيديا” ومشاركة إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “غوغل”. يعكس هذا التمويل الثقة في رؤية الشركة وقدرتها على تحقيق أهدافها الطموحة. تستثمر الشركة في دمج التعلم التعزيزي مع النماذج اللغوية الكبيرة لإنشاء أنظمة مستقلة قادرة على أداء المهام المعقدة دون تدخل بشري.
“أسيموف” وكيل البرمجة المستقل
تركز “ريفليكشن إيه آي” حاليًا على تطوير “أسيموف” (Asimov)، وهو وكيل الذكاء الاصطناعي مخصص لفرق الهندسة. يهدف “أسيموف” إلى فهم التعليمات البرمجية وتسهيل عملية التطوير، مع التركيز على الموثوقية والكفاءة. على عكس العديد من أدوات البرمجة الحالية التي تركز على توليد التعليمات البرمجية بسرعة، يركز “أسيموف” على فهم السياق العام للمشروع.
يعتمد “أسيموف” على بنية معالجة متعددة الوكلاء، حيث يجمع الوكلاء الصغار المعلومات ذات الصلة، بينما يقدم وكيل كبير الإجابات المستندة إلى المصادر. تستخدم الشركة التعلم التعزيزي لتحسين أداء “أسيموف” من خلال تعليمه كيفية فهم التعليمات البرمجية وتحديد المشكلات المحتملة واقتراح الحلول المناسبة. تعتبر الشركة أن هذا النهج يمثل خطوة مهمة نحو بناء وكلاء الذكاء الاصطناعي القادرين على التعامل مع المهام المعقدة بشكل مستقل.
التعلم التعزيزي والنماذج اللغوية الكبيرة
تؤمن “ريفليكشن إيه آي” بأن الجمع بين النماذج اللغوية الكبيرة والتعلم التعزيزي هو مفتاح بناء الذكاء الاصطناعي الفائق. توفر النماذج اللغوية الكبيرة القدرة على فهم اللغة الطبيعية ومعالجة كميات كبيرة من المعلومات، بينما يسمح التعلم التعزيزي للوكلاء بتحسين أدائهم من خلال التجربة والخطأ. تعتمد الشركة على خبرة فريقها في مشاريع مثل “بالم” و “شات جي بي تي” و “ألفا كود” لتطوير هذه التقنيات.
بالإضافة إلى ذلك، تركز الشركة على تطوير وكلاء قادرين على بناء ذاكرة دائمة من خلال استيعاب المعلومات من جميع المصادر المتاحة. يهدف هذا النهج إلى تمكين الوكلاء من فهم السياق العام للمشروع واتخاذ القرارات المستنيرة بناءً على المعرفة المتراكمة.
في المستقبل القريب، تخطط “ريفليكشن إيه آي” لمواصلة تطوير “أسيموف” وتوسيعه ليشمل المزيد من المهام والمجالات. كما تسعى الشركة إلى استكشاف تطبيقات جديدة للتعلم التعزيزي والنماذج اللغوية الكبيرة في مجالات أخرى، مثل الرعاية الصحية والتعليم والتمويل. يبقى التحدي الأكبر هو ضمان أن هذه التقنيات يتم تطويرها ونشرها بطريقة مسؤولة وأخلاقية، مع مراعاة الآثار الاجتماعية المحتملة. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وسيكون من المهم مراقبة التقدم الذي تحرزه “ريفليكشن إيه آي” وغيرها من الشركات الرائدة في هذا المجال.





