من هم مشترو “تيك توك” المحتملون وما عوائق إتمام الصفقة؟
عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، وفي أول قراراته التنفيذية، أمهل منصة “تيك توك” 75 يومًا حتى تجد حلًا للمأزق الذي وجدت نفسها فيه. وبمعنى أصح، فإن “تيك توك” أمامها 75 يوما حتى تجد مشتريًا أميركيًا توافق عليه الحكومة وإدارة “تيك توك” على حد سواء.
وقد صدق ترامب في وعده، وهو ما جعل المنصة تعود إلى العمل مجددًا بعد أن توقفت عن العمل كليًا في جميع الهواتف الأميركية، ورغم أن هذا القرار التنفيذي لم يقدم حلًا نهائيًا للأزمة فإن ترامب يبدو عازمًا على إيجاد حل.
البحث عن مشتر بمباركة ترامب
لم يتوان ترامب عن إصدار القرار التنفيذي بتمديد مهلة الشراء، ولكن يبدو أن دوره لن ينتهي عند تمديد مهلة الشراء فقط، إذ تحدث أثناء توقيع القرار عن الحاجة إلى وجود مشتر لنصف منصة “تيك توك” وأشار إلى أنه ينوي العمل على إيجاد هذا المشتري كرجل وسيط.
وقدر الرئيس قيمة المنصة بما يقرب من تريليون دولار، لذا فإن قيمة نصف أسهم الشركة يصل إلى 500 مليار دولار، لتصبح بذلك أغلى منصة تواصل اجتماعي وواحدة من الشركات القليلة التي كسرت حاجز التريليون دولار، ورغم أن تقييم ترامب مبدئي وقد لا يكون دقيقًا فإن القيمة النهائية للصفقة قد تقترب من ذلك.
وتشير الطريقة -التي يتحدث بها ترامب عن “تيك توك” وحتى عودة المنصة مباشرةً إلى العمل بعد محادثاته مع نظيره الصيني وحتى حضور شو زي تشيو المدير التنفيذي للمنصة إلى حفل تنصيب الرئيس الأميركي- إلى ما يؤكد على تحول العلاقة من عداء إلى ألفة ومحاولة للوصول إلى الحل.
ولم تقتصر تعليقات ترامب على ضرورة البحث عن مشتر، بل امتدت إلى اقتراح بعض المشترين في حال كانوا راغبين بذلك، لتتسع قائمة المشترين المحتملين لضيفين وضعهما ترامب بنفسه، وهما إيلون ماسك ولاري إليسون المدير التنفيذي لشركة “أوراكل” التي كانت تحاول الاستحواذ على المنصة منذ البداية.
قائمة مشترين محتملين من أثرياء أميركا
منذ اللحظة الأولى لظهور قانون الحظر وتحديد موعده النهائي، بدأ المشترون يصطفون على باب “تيك توك”. وعام 2020، خرجت شركتا “أوراكل” و”وال مارت” قائلتين إنهما توصلتا إلى حل من أجل الاستحواذ على منصة “تيك توك”.
آنذاك، أوقفت إدارة بايدن هذه الصفقة ومنعتها من الحدوث بسبب مخاوف أمنية، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع ترامب للإشارة إلى إليسون ليكون مشتري محتمل للمنصة، كما أن “مايكروسوفت” عرضت في العام ذاته شراء المنصة ليكون مصير هذه المفاوضات الفشل كما حدث مع “أوراكل ” و”وال مارت”.
لكن اختلف الأمر الآن، فحكومة الولايات المتحدة ذاتها هي من تبحث عن مشتر ومستعدة لتيسير عملية الشراء قدر الإمكان، ليعود السباق للاستحواذ على إحدى أنجح منصات التواصل الاجتماعي في العالم وأكثرها انتشارًا.
وتبدأ قائمة المشترين عند إيلون ماسك المدير التنفيذي لشركة تسلا وصاحب لقب أغنى رجل في العالم رغم العديد من المنافسين، وهو أحد المرشحين الذي أشار لهم ترامب أثناء توقيعه للقرار التنفيذي، وهو من أقرب المحتملين لإتمام الصفقة بفضل علاقته الجيدة مع حكومة الصين.
وشارك أيضًا المستثمر الشهير كيفن أوريلي وهو أحد نجوم “شارك تانك” الأميركي في السباق، وعرض 20 مليار دولار من أجل إتمام صفقة “تيك توك” ولكنه أوضح صعوبة إتمام الصفقة في حالته لأنه يحمل الجنسية الكندية إلا إن قام ترامب بتغيير القانون. وتجدر الإشارة إلى أن صفقة أوريلي لا تتضمن خوارزمية “تيك توك” أي أن الخوارزمية السرية التي كانت سبب نجاح المنصة ستظل ملكًا فرديًا لمنصة “بايت دانس”.
ويساهم مع أوريلي في صفقته مجموعة “مشروع الحرية” (Project Liberty) التي يقودها الملياردير فرانك ماكورت، ورغم أنهم لن يسعوا خلف خوارزمية “تيك توك” الفريدة فإنهم ينوون العمل على تغيير آلية العمل وقواعد البيانات من أجل جمع معلومات وتفاصيل أقل عن المستخدمين.
وبحسب تصريح أحد موظفي “تيك توك” السابقين مع صحيفة “فوربس” فإن “أمازون” هي أحد المهتمين بالاستحواذ على المنصة، كونها ثالث أكبر معلن على المنصة وعملت على توطيد علاقاتها مع إدارة الشركة والحكومة الصينية الفترة الماضية، وهو ما أسفر عن آلية لشراء منتجات “أمازون” مباشرةً داخل “تيك توك”.
كما أعلنت منصة “رامبل” (Rumble) لمشاركة مقاطع الفيديو عرضها لشراء “تيك توك” في مارس/آذار الماضي، ولكن دون وجود أي تفاصيل إضافية عن هذه الصفقة أو نيّة الشركتين لإتمامها، كذلك كان الأمر مع بوبي كوتيك المدير التنفيذي السابق لشركة “أكتيفيجن -بليزارد” (Activison-Blizzard) الذي قال إنه يتعاون مع سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” من أجل شراء المنصة.
ويبدو أن ألتمان ليس الوحيد من قطاع الذكاء الاصطناعي المهتم بالاستحواذ على “تيك توك” إذ انضمت له شركة الذكاء الاصطناعي “بيربليكستي” (Perplexity) ولكن بدلًا من أن يكون شراءً لأصول الشركة، فإنها تسعى للاندماج معها في شركة جديدة، وبالتالي لن يخسر مستثمرو “تيك توك” أسهمهم وسيصبح هناك شريك أميركي لهم.
وظهرت أيضًا بعض العروض المنفصلة من شخصيات شهيرة من أجل شراء المنصة، من بينهم “مستر بيست” (Mr.Beast) صاحب قنوات “يوتيوب” الشهيرة، وقال إنه يتعاون مع بعض أثرياء أميركا من أجل إتمام هذه الصفقة، كما اتبع ستيفن منوتشين وزير الخزانة السابق النهج ذاته قائلًا إنه يسعى لجمع بعض أثرياء أميركا من أجل إتمام الصفقة، ورغم كل هؤلاء المشترين فإن “تيك توك” مازالت صامتة.
صعوبات قانونية ودولية
لا تكفي النيّة لشراء “تيك توك” من أجل إتمام الصفقة، حتى وإن وافق الطرفان، إذ توجد بعض العوائق القانونية التي قد تقوض إمكانية حدوث الصفقة حين الاتفاق عليها، وهذه العوائق تتمثل في جانبين أساسيين: الأول وهو قانون “الكونغرس” الذي وضع المنصة في هذا المأزق بالبداية، إلى جانب موقف الحكومة الصينية التي قد لا ترتضي المشتري وتوقف الصفقة من ناحيتها.
حتى إن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب ليس كافيًا لتخطي العوائق القانونية في قانون “الكونغرس” إذ أشارت سارة كريبس مدير معهد سياسة التكنولوجيا في جامعة “كورنيل” إلى أن قانون ترامب التنفيذي يتعارض مع قرار المحكمة الدستورية العليا ولا يتبعه، وبالتالي قد يتم إيقافه في أي لحظة.
واتفق مع هذا الرأي كارل توبياس أستاذ القانون في جامعة “ريتشموند” ولكنه أضاف أيضًا أن أي إجراء قانوني يحتاج إلى وقت كبير حتى يتم، وبالتالي فإنه ربما لن يكون مفيدًا في حالة إيجاد مشتر أميركي للمنصة.
ويرى توبياس أن “تيك توك” تحتاج إلى مساعدة أخرى من ترامب، إذ يرى أن الشركة تحتاج إلى نص قانون واضح وصريح، وذلك عبر إعادة فتح المناقشات مجددًا مع “الكونغرس” لتعديل نصوص القانون، فالقانون حتى الآن لا يوضح إن كانت عملية الشراء يجب أن تشمل خوارزمية المنصة أم لا.
وهناك جانب آخر لهذه الصفقة، وهو الصيني، الذي قد يكون الأكثر صعوبة في التعامل معه، إذ كان أحد أسباب رفض الصفقات السابقة، وبحسب بيان متحدث رسمي من بكين فإن الحكومة ترى أن الصفقة أمر يخص إدارة “تيك توك” و”بايت دانس” ولن تتدخل فيه الحكومة. ورغم هذا، فإنه من المتوقع أن يتحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ مع ترامب بشكل أكثر تفصيلًا عند قرب الصفقة.
مأزق الخوارزمية وإدارة منصات التواصل
في حالة انتهاء كافة العواقب القانونية والتشريعية أمام الصفقة، يظل عائق واحد أمام المشترين، وهي إن كانت الخوارزمية جزءًا من الصفقة أم لا، فضلًا عن آلية إدارة المنصة، إذ أن أغلب من يتقدم لشراء المنصة لن يرتضي أن يكون دوره شرفيًا دون وجود قرار مؤثر له في سياسات المنصة.
ولكن لا يمكن لأي شخص إدارة منصة تواصل اجتماعي حتى وإن كان هو من أنجح مستخدميها وكانت المنصة ناجحة بمفردها، وربما كانت قصة ماسك مع منصة “إكس-تويتر سابقًا” مثالًا حيًا على هذا الأمر.
إذ انخفضت قيمة المنصة بعد استحواذ ماسك عليها وخسرت العديد من المعلنين داخلها لتصبح الآن مختلفة تمامًا عن ما كانت عليه سابقًا، وذلك بسبب تدخل ماسك في كافة التفاصيل المتعلقة بإدارة المنصة ومحاولة جعلها أقرب إلى الصورة التي يتخيلها.
وتمثل الخوارزمية التحدي الحقيقي أمام كل من يسعى لشراء “تيك توك” لأنها تمثل سر الخلطة والمكون السري لنجاحها، فإن استطاع أي شخص خارج “بايت دانس” الوصول إليها، فما الذي يمنعه من استخدامها في منصة أخرى أو حتى محاولة السيطرة على المنصة وتغييرها لتصبح ذات أهداف سياسية واضحة.