مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الحروب

أمستردام- انطلقت فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (إدفا)، وهو أكبر تجمع عالمي من نوعه، في أجواء مفعمة بالحيوية والجدل. يشارك في المهرجان هذا العام صُنّاع أفلام ونقاد وعشاق سينما من 76 دولة، لكن هذه الدورة تحمل طابعاً استثنائياً نظراً للأحداث الجارية حول العالم، حيث اختار المهرجان إبراز أصوات المقاومة والاحتجاج من خلال مجموعة من الأفلام التي تتناول قضايا الاستعمار والظلم والحرية. يستمر المهرجان حتى 23 نوفمبر/تشرين الثاني، ويقدم برنامجاً غنياً يضم أكثر من 250 فيلماً ومشروعاً إعلامياً جديداً.
يأتي هذا التوجه من المهرجان في سياق عالمي يشهد تصاعداً في النزاعات والحروب، بما في ذلك الأحداث المأساوية في غزة وفلسطين. وليس من المستغرب أن تتركز العديد من الأفلام المعروضة حول قضايا الشرق الأوسط، وتحمل رسائل قوية حول الحق في الحياة والكرامة والعدالة. يهدف المهرجان إلى أن يكون منصة للحوار والنقاش حول هذه القضايا الهامة، وأن يساهم في تعزيز التوعية والفهم.
أفلام الاحتجاج في صميم مهرجان أمستردام الوثائقي
افتتح المهرجان بثلاثة أفلام قصيرة تُمثل “تشريحاً للاحتجاج” كما وصفته المديرة الفنية للمهرجان، إيزابيل أراتي فيرنانديز. تستكشف هذه الأفلام دوافع الانتفاضة، وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات، والآفاق المستقبلية للحركات الثورية. الفيلم الإيراني “As I Lay Dying” والفيلم الفلسطيني “Intersecting Memory”، والفيلم التركي “happiness” كلها أعمال تقدم وجهات نظر فريدة حول معنى المقاومة والأمل.
الفيلم التركي “happiness” للمخرج فرات يوجيل، على وجه الخصوص، يركز بشكل مباشر على الأحداث الجارية في غزة، ويعتبر بمثابة صرخة احتجاج ضد الإبادة الجماعية. أكد يوجيل أنه لم يستطع تجاهل ما يحدث في فلسطين، وأن فيلمه يهدف إلى تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية هناك.
مشاركة بارزة من الجزيرة الوثائقية
يشهد المهرجان مشاركة عربية ملحوظة، تتصدرها الجزيرة الوثائقية بثلاثة أفلام من إنتاج مشترك. يعكس هذا الحضور القوي إستراتيجية القناة الرامية إلى دعم السينما الوثائقية العربية وتعزيزها على الساحة الدولية. أحد الأفلام المعروضة، “توأم غزة.. عودا إليّ”، يروي قصة مؤثرة لأم غزية اضطرت إلى ترك طفليها التوأم في المستشفى بسبب الحرب، ورحلة البحث عنهم وإعادتهم إليها.
لاقت هذه الأفلام استحساناً كبيراً من الجمهور والنقاد، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة. كما شاركت الجزيرة الوثائقية في إنتاج فيلم “32 متراً” الذي يتناول قضايا المرأة في المجتمعات الريفية المحافظة، و”بين ضفّتين” الذي يستكشف قضايا الهوية والمنفى. بالإضافة إلى ذلك ، يُلاحظ الدور المتزايد للجزيرة الوثائقية كمصدر رئيسي للإعداد والإنتاج للعديد من الأفلام المعروضة في المهرجان.
تغييرات في القيادة وتوجهات جديدة
يشهد مهرجان إدفا أيضاً تغييرات في القيادة، حيث تولت إيزابيل أراتي فيرنانديز منصب المديرة الفنية في يوليو/تموز الماضي. أكدت فيرنانديز على أهمية الاستماع إلى الأصوات المختلفة، وتقديم أفلام تعكس تعقيدات العالم وتحدياته. وانتقدت في تصريحات لها الصمت حيال النزاعات الدائرة في العالم، ودعت إلى استخدام السينما كأداة للتغيير الإيجابي.
على صعيد آخر، اتخذ المهرجان قراراً تاريخياً برفض منح اعتماد لمؤسسات إسرائيلية ممولة من الحكومة، وذلك على خلفية الأحداث الجارية في غزة. ويعكس هذا القرار موقفاً سياسياً واضحاً من المهرجان، ويدعم الدعوات الدولية لمقاطعة إسرائيل. القرار أثار جدلاً واسعاً، لكنه أكد على التزام المهرجان بقيم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
ينتهي مهرجان إدفا في 23 من نوفمبر، ومن المتوقع أن يعلن عن الفائزين بجوائزه المختلفة. يبقى أن نرى كيف ستنعكس هذه التوجهات الإبداعية والسياسية على مستقبل المهرجان، وما إذا كان سيستمر في لعب دوره كمنصة للأصوات المقاومة والقصص الملهمة.





