موجة جديدة من الانقلابات العسكرية بأفريقيا تحت مجهر مؤتمر الجزيرة للدراسات

الدوحة – في خضمّ تزايد المخاوف بشأن الاستقرار السياسي والأمني في القارة الأفريقية، وتصاعد وتيرة الانقلابات العسكرية، عقد مركز الجزيرة للدراسات السبت مؤتمرًا بعنوان “أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة”. يركز المؤتمر على تحليل الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وتقييم التهديدات الأمنية المتزايدة، ودراسة تأثير المنافسة الإقليمية والدولية على مستقبل القارة، مع التركيز بشكل خاص على ظاهرة الانقلابات العسكرية وتداعياتها.
وتأتي هذه الندوة في وقت تشهد فيه العديد من الدول الأفريقية صراعات داخلية، وتدهورًا اقتصاديًا، وتناميًا لنفوذ الجماعات المسلحة، مما يهدد بتقويض الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الديمقراطية. ويهدف المؤتمر إلى جمع الخبراء والباحثين وصناع القرار لمناقشة هذه التحديات واقتراح حلول عملية لمواجهتها.
أسباب تصاعد الانقلابات العسكرية في أفريقيا
أشار المشاركون في الجلسة الافتتاحية إلى أن موجة الانقلابات التي بدأت في عام 2020 ليست مجرد صدفة، بل هي نتيجة لتراكم المشاكل والتحديات التي تواجه القارة. وتشمل هذه المشاكل الفساد المستشري، والتلاعب بالدستور، وتمديد فترات الحكم، وغياب الحوكمة الرشيدة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وبحسب الباحث النيجيري حكيم ألادي نجم الدين، فإن هذه العوامل الداخلية تتضافر مع عوامل خارجية، مثل تراجع الدعم الغربي للديمقراطية، وتنامي النفوذ الصيني والروسي، وتصاعد المشاعر المناهضة للقوى الاستعمارية السابقة، وخاصة فرنسا. وأضاف أن “عدوى الانقلابات” تلعب دورًا مهمًا في انتشار هذه الظاهرة، حيث يشجع نجاح انقلاب في دولة ما على تكراره في دول أخرى.
القبول الشعبي للانقلابات
أحد الجوانب المثيرة للقلق في هذه الموجة من الانقلابات هو القبول الشعبي المتزايد لها في بعض الدول. ويرجع ذلك إلى شعور المواطنين بالإحباط واليأس من أداء الحكومات المدنية، وفشلها في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتحسين مستوى معيشتهم. كما أن الفساد والظلم والاستبداد يدفعان الناس إلى التفكير في بدائل أخرى، حتى لو كانت غير ديمقراطية.
تأثير الانقلابات العسكرية على الأمن والاستقرار
تؤدي الانقلابات العسكرية إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في الدول المعنية، وتزيد من خطر اندلاع الصراعات المسلحة. كما أنها تقوض المؤسسات الديمقراطية، وتعيق جهود التنمية، وتزيد من معاناة السكان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقلابات تخلق فراغًا أمنيًا تستغله الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة لتعزيز نفوذها وتوسيع نطاق عملياتها.
وأكد الأكاديمي المغربي إسماعيل حمودي أن مكافحة الجماعات المسلحة تتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، تعالج الأسباب الجذرية للعنف والتطرف، وتعزز الحوكمة الرشيدة، وتوفر فرصًا اقتصادية واجتماعية للشباب. وأضاف أن المقاربات الأمنية البحتة غالبًا ما تكون غير فعالة، بل قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة الغضب الشعبي.
المنافسة الإقليمية والدولية في أفريقيا
تشهد القارة الأفريقية منافسة متزايدة بين القوى الإقليمية والدولية، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا. وتسعى كل من هذه القوى إلى تعزيز نفوذها في القارة، والسيطرة على مواردها الطبيعية، وتأمين مصالحها الإستراتيجية. وتتخذ هذه المنافسة أشكالًا مختلفة، مثل الاستثمار في البنية التحتية، وتقديم المساعدات الاقتصادية، وبيع الأسلحة، وتقديم الدعم السياسي والعسكري.
ويرى المحفوظ السالك أن هذه المنافسة يمكن أن تكون فرصة لأفريقيا لتحقيق التنمية والازدهار، إذا تمكنت من استغلالها بشكل صحيح. وأضاف أن على الدول الأفريقية أن تنتهج سياسة خارجية مستقلة ومتوازنة، وأن تسعى إلى تنويع شركائها، وأن ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية. كما أكد على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي، وتوحيد الصفوف، لمواجهة التحديات المشتركة.
نظرة مستقبلية
من المتوقع أن يستمر الوضع الأمني والسياسي في أفريقيا في التدهور في المدى القصير، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار. ويجب على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم اللازم للدول الأفريقية لمساعدتها على مواجهة هذه التحديات، وتعزيز الديمقراطية والحوكمة الرشيدة. وستكون متابعة تطورات الأوضاع في دول الساحل، وخاصة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أمرًا بالغ الأهمية في الأشهر القادمة، حيث تشكل هذه الدول بؤرًا ساخنة للتوتر وعدم الاستقرار. كما يجب مراقبة تأثير المنافسة بين القوى الكبرى على مستقبل القارة.





