يشهد قطاع الصناعات الدفاعية التركي تطورات متسارعة، حيث يمثل إطلاق مشروع الغواصة “ميلدن”، أول غواصة تركية الصنع بالكامل، نقلة نوعية في القدرات العسكرية البحرية للبلاد. ويشير تقرير نشره موقع إيطالي إلى أن هذا الإنجاز يمثل تحديًا مباشرًا للشركات الأوروبية الرائدة في هذا المجال، ويضع تركيا في موقع متقدم ضمن مصنعي الغواصات على مستوى العالم.
وأكد التقرير، الذي نشره موقع “شيناري إيكونوميشي”، أن الغواصة “ميلدن” ليست مجرد إضافة للأسطول التركي، بل هي دليل على طموح أنقرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية. ويُتوقع أن تُحدث هذه الغواصة تأثيرًا كبيرًا على ميزان القوى في منطقة البحر الأبيض المتوسط والأسواق العالمية.
التحول الاستراتيجي في الصناعات الدفاعية التركية
خلال العقدين الماضيين، أدركت تركيا أهمية بناء قاعدة صناعية قوية لدعم طموحاتها السياسية والاستراتيجية. وبحسب التقرير، لم تعد تركيا تكتفي بدور المستهلك للأسلحة والمعدات العسكرية، بل سعت إلى أن تصبح منتجًا ومصدرًا رئيسيًا لهذه المنتجات، مما يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.
ويعكس هذا التحول الاستراتيجي رؤية شاملة تهدف إلى تطوير كافة جوانب الصناعات الدفاعية، بدءًا من تصميم وتصنيع الغواصات والسفن الحربية، وصولًا إلى إنتاج الصواريخ والذخائر وأنظمة الاستشعار. وقد اتخذت الحكومة التركية خطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك الاستثمار في البحث والتطوير، وتوفير الدعم المالي والتقني للشركات المحلية.
مواصفات الغواصة “ميلدن”
تتميز الغواصة “ميلدن” بمواصفات فنية متطورة تجعلها قادرة على القيام بمهام قتالية متنوعة. وتبلغ حمولة الغواصة 2700 طن، ويبلغ طولها أكثر من 80 مترًا، مما يجعلها أكبر من العديد من الغواصات التقليدية. وتعتمد الغواصة على نظام دفع لاهوائي محلي الصنع، يجمع بين تقنيات إعادة تشكيل الميثانول وخلايا وقود غشاء تبادل البروتون، بالإضافة إلى بطاريات أيونات الليثيوم.
ويتيح هذا النظام للغواصة البقاء تحت الماء لفترات طويلة دون الحاجة إلى استخدام جهاز توفير التهوية (المنشاق)، مما يقلل من خطر اكتشافها. كما أنها مزودة بأنظمة استشعار متطورة، بما في ذلك السونار والأنظمة البصرية الإلكترونية، التي تتيح لها رصد الأهداف وتحديد مواقعها بدقة عالية.
التسليح والقدرات القتالية
تحمل الغواصة “ميلدن” ثمانية أنابيب طوربيد عيار 533 ملم، وهي قادرة على إطلاق طوربيدات “أكيا” التركية الثقيلة، بالإضافة إلى صواريخ “أتماكا” المضادة للسفن، التي يصل مداها إلى أكثر من 220 كيلومترًا. ويُتوقع أن تتضمن الغواصة أيضًا خيارات لإطلاق صاروخ “جيزجين” المجنح، الذي يمكنه ضرب أهداف برية من المياه العميقة.
ويشير الخبراء إلى أن هذا التنوع في التسليح يجعل الغواصة “ميلدن” قادرة على مواجهة مجموعة واسعة من التهديدات، سواء كانت بحرية أو برية. كما أن الاعتماد على الأسلحة والمعدات التركية الصنع يقلل من الاعتماد على المصادر الخارجية، ويعزز من القدرات الدفاعية للبلاد.
تأثير الغواصة “ميلدن” على سوق الغواصات
من المتوقع أن يكون لإطلاق الغواصة “ميلدن” تأثير كبير على سوق الغواصات العالمية. فقد أصبحت تركيا الآن قادرة على المنافسة مع الشركات الأوروبية الرائدة في هذا المجال، وتقديم منتجات ذات جودة عالية بأسعار تنافسية. ويُتوقع أن تستهدف تركيا بشكل خاص الأسواق الناشئة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، حيث يوجد طلب متزايد على الغواصات والمعدات العسكرية البحرية.
ومع ذلك، لا يزال هناك بعض التحديات التي تواجه تركيا في هذا المجال. فقد تحتاج إلى إثبات قدرتها على إنتاج غواصات موثوقة وعالية الأداء، وتلبية متطلبات العملاء المختلفة. كما أن المنافسة في سوق الغواصات شرسة للغاية، حيث توجد العديد من الشركات الكبرى التي تتمتع بخبرة طويلة وسمعة طيبة.
الخطوة التالية المتوقعة هي إكمال الاختبارات البحرية للغواصة “ميلدن” والتأكد من جاهزيتها للعمل. كما ستسعى تركيا إلى تسويق الغواصة للعملاء المحتملين، وعقد صفقات جديدة لتصديرها. ويجب مراقبة تطورات هذا المشروع عن كثب، وتقييم تأثيره على ميزان القوى في المنطقة والعالم.
