Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

“مول الحانوت” في المغرب.. أي مستقبل لبقالة القرب؟

مراكش- يهم الشاب زهير بفتح متجره الصغير في حي شعبي بمدينة مراكش صباحا، فيستقبله زبون مستعجل يطلب علبة حليب ورغيف خبز، ويطلب منه تسجيل المبلغ في دفتر الديون.

تسنح هذه الفرصة لزهير لتصفح هذا الدفتر المهترئ من كثرة الاستعمال، ليكتشف أن حجم الديون المتراكمة قد تجاوز المعتاد، فيضرب كفا بكف.

لا يجد زهير بدا من الاستمرار في التعامل بالدَّيْن، فهو وسيلة للحفاظ على زبائنه كما يقول للجزيرة نت، لكنه يبدي أسفا لتأجيل بعض الزبائن الدفع رغم قدرتهم على السداد الفوري، الأمر الذي يعيق نشاطه التجاري ويبطئ دورة رأس ماله.

ويضيف إلى شكواه حديثا عن انتشار المساحات التجارية المتوسطة التابعة لشركة أجنبية، الأمر الذي يثير قلقه وباقي أصحاب البقالات في الحي من تنامي هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على تجارتهم.

ويضاعف قلقه انخفاض هامش الربح في العديد من المواد الأساسية، كالشاي والسكر والزيت ومواد التنظيف والمياه المعبأة، ويخص بالذكر أسطوانات الغاز التي ارتفع سعرها مؤخرا، والتي تتطلب عناية خاصة وتستحوذ على مساحة أكبر من غيرها من المواد الاستهلاكية.

يطلق على تاجر البقالة الصغير في المغرب “مول الحانوت” الذي يعتبر أحد المحركات الأساسية لتجارة القرب، علاوة على دوره الاجتماعي الملاحظ.

الشاب زهير داخل متجره الصغير يستعرض دفتر الديون (الجزيرة)

قلق أصحاب البقالات

يجد ما يقلق تجارة البقالة هؤلاء صداه لدى المهنيين والمسؤولين، فقد وصل صوته إلى قبة مجلس النواب، وساءل عدد من البرلمانيين من مختلف الأحزاب الحكومة عما تقدمه لدعم هذه الفئة أمام المنافسة القوية للمساحات التجارية، خاصة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف الإيجار ونقل المواد الاستهلاكية، والمساواة في تقديم التسهيلات الضريبية، والتدريب والتأهيل المهني يواكبان التطورات في سوق العمل والتكنولوجيا.

ويقول كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية عمر أحجيرة إن البقالة تشكل ركيزة أساسية في منظومة تجارة القرب في المغرب، وإن الحكومة المغربية تأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه المهنيين.

لكن رئيس الاتحاد المغربي للتجار والمهنيين عيسى أشوط يطالب في حديث للجزيرة نت بملء الفراغ القانوني لتنظيم انتشار المحلات التجارية الكبرى، مما يتيح منافسة معقولة ويحافظ على حقوق التاجر الصغير وعلى استمرار عمله بصفته إرثا تاريخيا أصيلا ونشاطا اقتصاديا فعالا داخل المجتمع المغربي، مبديا أسفا لكون الحكومة تفرض إجراءات قانونية معقدة على التاجر الصغير للحصول على رخصة ممارسة المهنة عكس منافسيه.

مساهمة كبيرة

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن مهنة “مول الحانوت” تساهم بنسبة 58% من رقم معاملات التجارة الداخلية وتوظف نحو 36% من العاملين في القطاع التجاري كما يؤكد كاتب الدولة خلال مروره بمجلس النواب في جلسة 20 يناير/كانون الثاني الجاري.

ويضيف المسؤول الحكومي أن البقالة توظف 600 ألف عامل في قطاع تجارة القرب، والتي تشكل 80% من مجموع نقاط البيع، مبينا أن 90% من أصحاب المحلات يقيدون قروضا من دون فائدة.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد جدري معلقا على هذه الأرقام إن لهذه الفئة من المهنيين مكانتها المعتبرة داخل النسيج الاقتصادي المغربي، مما يستدعي اهتماما أكبر لتنظيم وتحديث خدماتها في ظل منافسة من قبل المساحات التجارية بمختلف أحجامها.

ويضيف جدري للجزيرة نت أن “مول الحانوت” له ميزات كثيرة بصفته يمثل المهنة الأكثر تجسيدا لتجارة القرب التي تتسم بالمرونة في أوقات العمل والفعالية والتنويع في الخدمات، مما يتيح لهم الاستمرار بالبقاء في سوق العمل لسنوات مقبلة.

بدوره، يشير أشوط إلى أن الأدوار التي يلعبها التاجر الصغير في النسيج الاقتصادي المغربي -علاوة على مساهمته الضريبية في الميزانية العامة- يجب أن تقابل بمزيد من الاهتمام الحكومي.

عبد الغني بلوط_ مراكش_ الخبير الاقتصادي محمد جدري_ أذن باستعمال الصورة للجزيرة نت_(1)
الخبير الاقتصادي محمد جدري: مهنة “مول الحانوت” لها مكانتها المعتبرة داخل النسيج الاقتصادي المغربي (الجزيرة)

تطبيقات إلكترونية

وفي جانب آخر من الحي ذاته يحاول شاب يدعى عبد الحي أن ينظم تجارته بتوفير إمكانية لزبائنه للتجول بين الرفوف واختيار سلعهم بأنفسهم، قبل أن يؤدوا الثمن عبر حاسوب صغير.

ويقول عبد الحي للجزيرة نت إنه عمل على تطوير تطبيق إلكتروني يتيح تسجيل المبيعات والاطلاع على حالة المخزون من السلع، رافضا التعامل بالدَّيْن.

ويُعرف عبد الحي ببيع السلع بثمن محدد غير قابل للمساومة، لكن هذا التاجر الشاب خريج كلية العلوم الاقتصادية مقتنع تماما بأن مسايرة العصر هي السبيل لتطوير تجارته، وكسب ثقة المزيد من الزبائن، ومنافسة المساحات التجارية.

ويبدي اهتماما وهو ينصت إلى حديث كاتب الدولة خلال رده على الأسئلة البرلمانية، والذي يشير الى أن الحكومة تقدم مقترحات عملية تسهل دخول التجار الصغار إلى المجال الرقمي.

ويشير كاتب الدولة عمر أحجيرة إلى أن الحكومة دعمت 156 تاجرا صغيرا لتشجيعهم على استعمال الحلول الرقمية، كما مكنت 4500 تاجر من البيع عبر الإنترنت بإنشاء 200 نقطة توصيل لمواكبة التطورات التكنولوجيا.

إجراء حكومي

ودعا كاتب الدولة إلى تشجيع المهنيين على استخدام جهاز الدفع الإلكتروني، لكن عبد الحي يذكر أن ثمن هذه الآلة يساوي تقريبا 3 آلاف درهم (300 دولار)، علاوة على أن استعمالها يحتاج الى توفر التاجر على حساب بنكي، مما يزيد مصروفاته، وبما أنه يتعامل مع زبائنه يوميا بمبالغ بسيطة -وأغلبهم ليس لديه بطاقات بنكية- فإن ذلك لا يكون له فائدة كبيرة.

وتبقى هذه الإجراءات الحكومية -حسب النقابي أشوط- غير كافية إذا لم تصبح فعالة وشاملة، لكي يلمس التاجر الصغير أثرها الحقيقي على أرض الواقع، وجعله يواكب فعلا التطور الرقمي والتكنولوجي لضمان عصرنة القطاع بما يتناسب ومتطلبات السوق الوطنية والدولية، ويؤكد على ضرورة إشراك التاجر الصغير في دورة النمو الاقتصادي لكتابة قصة جديدة.

ويتفق الخبير الاقتصادي محمد جدري مع ضرورة مسايرة صغار التجار التطورات التكنولوجية، داعيا الحكومة إلى تسهيل إجراءات العمل بالدفع الإلكتروني والوصول إلى العقارات التجارية.

وأضاف جدري أن تكتل المهنيين يساهم في خلق قيمة مضافة، ويمكن أن يساعد في التفاوض مع الموردين لرفع هامش الربح، وبذلك يُبقي المنافسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى