نازحو جنين يستقبلون رمضان بالحنين إلى بيوتهم

“هذا أصعب رمضان يمر علينا، كل لحظة فيه صعبة، كل تفاصيل هذا اليوم صعبة”، هكذا تقول الفلسطينية أم معتصم، وهي شابة عشرينية نزحت قبل ٤٠ يومًا من منزلها في مخيم جنين بعد بدء إسرائيل هجمة عسكرية واسعة سمتها عملية “السور الحديدي” في مخيمات شمال الضفة الغربية.
في البيت الذي استقرت فيه أخيرًا بعد نزوح متكرر في قرى محافظة جنين، وهو عبارة عن سكن مخصص لطلاب الجامعة العربية الأميركية، كانت أم معتصم تنتهي من صلاة التراويح في اليوم الأول من شهر رمضان، وتحاول تحضير القليل من الحلويات لطفليها، علّها تشعرهما بدخول الشهر الفضيل.
رمضان صعب
تحدثت أم معتصم للجزيرة نت عن تفاصيل هذا اليوم كنازحة من مخيم جنين، وقالت إن الشعور مختلف وموجع، ولا يشبه إحساس اليوم الأول من الشهر الفضيل خلال السنوات الماضية؛ “كل شيء صعب، أدق التفاصيل وأصغرها صعبة، كنّا نفرح بقدوم الشهر، ونتهيأ نفسيا له، عدا التحضيرات والاستعداد الذي يسبق دخوله بأيام”، كما تقول.
ويعيش عدد كبير من نازحي مخيم جنين في بنايات معدّة لسكن الطلبة غربي مدينة جنين بعد تكفّل لجنة خدمات المخيم باستئجارها للنازحين وإسكانهم فيها.
يقضي هؤلاء النازحون رمضان في ظروف عصيبة بعد هدم جرافات الاحتلال منازلهم في المخيم وتشريدهم منها، وإجبارهم على تركها منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الإسرائيلية، قبل أكثر من شهر، من دون أن يسمح لهم بأخذ ملابسهم ومستلزماتهم اليومية.
تقول أم معتصم “نزحت في البداية عند أقاربي في قرية بير الباشا جنوب جنين، لكننا بعد مرور أيام أحسسنا أننا نقيد حرية العائلة التي استقبلتنا وأننا نثقل عليهم، فقررنا المغادرة، وبحثت عن سكن يناسب حالتي كأم لطفلين ومن دون زوجي، وبعد محاولات عرفت أن لجنة الخدمات وفرت لأهل المخيم هذه السكنات”.
من دون طقوس
تشرح السيدة كيف تغير الحال بين رمضان هذا العام ورمضان في منزلها بالمخيم، “كنت أبدأ إفطار اليوم الأول بتحضير طبق أبيض أو أخضر، كي يستمر الشهر بالخير واليسر، هذه عادة توارثناها عن أجدادنا، اليوم لم أدخل المطبخ أصلا ولم أفكر في مائدة الإفطار ولا تحضيرها”.
وقبل أذان المغرب قرع الباب، وتلقت العائلة النازحة وجبات جاهزة من إحدى التكيات التي تقدمها للنازحين. وقد بدا على الأم وأطفالها استصعاب فكرة النزوح المربوطة بالعوز وقلة الحيلة.
“حتى الأطفال افتقدوا طقوس رمضان هذا العام، في المخيم كانوا يبتهجون لتزيين المنزل وشراء أغراض رمضان، وقبل الإفطار كانوا يلعبون مع أطفال الحي، ويذهبون لصلاة التراويح مع والدهم، كل ذلك حرموا منه هذا العام بسبب تهجيرنا من منازلنا”، كما تقول الأم.
ولا تقف صعوبات أم معتصم عند تهجيرها من منزلها، فزوجها لا يستطيع الوصول إليهم في سكن الجامعة خوفا من ملاحقة الجيش الإسرائيلي، لاعتقاله في أوقات سابقة أكثر من مرة.
الحنين إلى المخيم
في مقر “جمعية الكفيف” وسط مدينة جنين، كانت العائلات النازحة تجتمع قبيل الإفطار في انتظار أذان المغرب. ويقولون إن جمعتهم هذه هي الشيء الوحيد الذي خفف عنهم النزوح والبعد عن منازلهم وأقاربهم.
ورغم محاولات الجمعية تقديم كل ما يلزم للنازحين، وإيجاد مساحة لأطفالهم للعب والتفريغ، فإن الأهالي لا يتقبلون قضاء رمضان بعيدًا عن المخيم.
هنا تتحدث سلسبيل، وهي نازحة من حارة الدمج في مخيم جنين، عن أجواء شهر رمضان في المخيم، والتي تفتقدها مع عائلتها. وتقول إن رائحة المخيم مختلفة، وإنها تعيش الآن في غرفة مشتركة مع قريباتها وإن خصوصيتها محدودة، ومهما حاولت فلن يكون الوضع في غرفة النزوح كمنزلها.
تضيف سلسلبيل “في الجمعية مطبخ مشترك متاح للكل، لكن وفق ساعات محددة، وبالطبع الإفطار محدد كل يوم، ولا نستطيع تحضير ما يخطر في بالنا، لأننا خرجنا من منازلنا من دون أن نحمل معنا شيئا، والرجال لا يعملون ومصادر الدخل محدودة جدا إن لم تكن معدومة”.
وتضيف “يوم أمس بكيت كثيرا قبل موعد الإفطار، تذكرت منزلي ومطبخي وقوائم الطعام التي كنت أعدّها، تذكرت أهلي وجمعات رمضان، تذكرت كل الطقوس التي كنا نقيمها في منازلنا، وحارات المخيم المزينة وأصوات الشباب في الشارع. كل ذلك أصبح ذكريات ولا يمكن أن يعود”.
ويقول الأهالي إن مخيم جنين كان مميزًا في استقباله لشهر رمضان، لأن العائلات كانت تنظف مداخل المنازل والشوارع قبيل رمضان، ويعلقون الزينة، كما عرف المخيم بتجمع شبابه بعد صلاة التراويح، وبانتشار بسطات الحلويات في الشوارع. وتضيف سلسبيل “لم يكن المخيم يعرف النوم في رمضان، اليوم ننام بعد صلاة العشاء مباشرة”.
وتذكر أن التكافل بين أبناء المخيم كان علامة مميزة، فلا يمكن أن تفطر عائلة في المخيم وحدها، ولا بد من وجود ضيف على الأقل على سفرة الإفطار يوميا.
وعُرف المخيم بوجود المسحراتي في رمضان، والذي كان في الغالب واحدا أو أكثر من شباب المخيم الذين يحملون الطبل ويجوبون الشوارع ويقفون على أبواب عائلات الشهداء يدعون لهم ويواسون عائلاتهم، ويذكرون مآثر كل شهيد.
ويعيش في جمعية الكفيف، وهي جمعية تعنى في الأساس بالذين يعانون من إعاقة بصرية، قرابة ٢٢ عائلة نازحة تضم ٨٥ شخصا يتوزعون على ١٣ غرفة.
التراويح في الخيام
ورغم فقدان أهالي المخيم منازلهم ومساجدهم، فإن الغالبية اجتمعوا في اليوم الأول من رمضان في خيام أنشؤوها خصيصا لإقامة صلاة التراويح بشكل جماعي.
يقول أحد النازحين في جمعية الكفيف “هذا أصعب شهر يأتي علينا، واليوم الأول منه كان أطول يوم خلال الأيام الأربعين لنزوحنا، لأننا بعيدون عن منازلنا وعن الشوارع التي كبرنا فيها والمساجد التي كنا نصلي فيها. المفروض أن يكون رمضان شهر التراحم والتجمع وصلة الأرحام ولكنه يحل علينا ونحن مهجّرون؛ كل واحد من أشقائي في قرية”.
ويضيف أنه رغم مضايقات الاحتلال واقتحاماته المتكررة في الأعوام السابقة، فإن كل ما حدث لا يوازي تهجيرهم من المخيم ودخول رمضان عليهم وهم نازحون.
وبحسب محافظ جنين، فقد هجّر الاحتلال قرابة ٢٠ ألفا من أهالي مخيم جنين، ونسف وهدم نحو ١٢٠ منزلا بالكامل وعشرات المباني بشكل جزئي “بهدف تغيير معالم المخيم تمهيدا لإفراغه”.