Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

“ناشئة الشوق” للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التعبير

صدر حديثًا ديوان الشعر “ناشئة الشوق” للشاعر الليبي محمد فتح الله، عن دار الوليد للنشر في ليبيا، ليُضيف صوتًا جديدًا إلى المشهد الشعري الليبي، ويُؤكد حضور التجربة الوجدانية الكلاسيكية بصياغة معاصرة. يمثل هذا الديوان إضافة نوعية للشعر العربي الحديث، ويستكشف عمق المشاعر الإنسانية من خلال لغة شعرية رصينة.

يقع الديوان في نحو 50 قصيدة، تتوزع على مساحات متقاربة في الثيمة ومفتوحة في الدلالة، إذ يشتغل الشاعر على مفردات الشوق والحنين والغياب، بوصفها حالات إنسانية مركبة. يُركز الديوان بشكل خاص على مفهوم الشوق، محولًا إياه من إحساس شخصي إلى رؤية شعرية تتداخل فيها الذاكرة الفردية مع أسئلة الوطن والزمن والهوية.

ناشئة الشوق: رؤية شعرية معاصرة

يعتمد الشاعر فتح الله في “ناشئة الشوق” على بنية شعرية واضحة الجذور في الإيقاع العربي الموروث، مع انفتاح محسوب على التعبير المعاصر. لا يقطع الشاعر مع اللغة أو الموسيقى التقليدية، بل يمزج بينهما لخلق تجربة فريدة للقارئ.

تُبنى القصيدة لديه على توازن بين الوزن والدلالة، وبين العاطفة والتأمل، مما يمنح النص طاقة وجدانية واضحة، وفي الوقت نفسه انضباطًا فنيًا يميّز التجربة عن الانفعال المباشر. هذا التوازن الدقيق يعكس مهارة الشاعر في صياغة المعاني العميقة.

الوطن والذات في شعر فتح الله

تتجلّى في الديوان ملامح الصوت الشعري الذي يكتب من موقع الاعتراف الهادئ، إذ يحضر الحب بوصفه تجربة إنسانية مؤسسة، ويظهر الغياب كاختبار للذات. يطلّ الوطن من خلفية النص لا كشعار، بل كأثر نفسي عميق يسكن اللغة ويعيد تشكيلها. في عدد من القصائد، يتحول الشاعر إلى راوٍ داخلي لسيرته الوجدانية، متأرجحًا بين الحنين والتصالح، وبين الفقد والرغبة في الاستمرار.

يلاحظ القارئ أن “ناشئة الشوق” لا يسعى إلى الإدهاش اللغوي بقدر ما يراهن على الصدق الشعوري والتماسك البنيوي. تتقدم التجربة على الزخرفة، ويغدو الشعر أداة للقبض على المعنى لا للهروب منه. هذا التركيز على الجوهر يجعله مميزًا في المشهد الشعري المعاصر.

القبض على المعنى: عمق التجربة الشعرية

كما يبرز حضور السؤال في بنية القصيدة، سواء في علاقتها بالحب أو الزمن أو الذات، مما يمنح النصوص بعدًا تأمليًا يوسّع أفق القراءة. هذا العمق الفكري والعاطفي يجعل الديوان تجربة قراءة مثرية.

وفي غلاف الديوان، كتب الشاعر الأردني حسين جلعاد كلمة تقديمية توقّفت عند جوهر التجربة، معتبرًا أن “ناشئة الشوق” ليس ديوان عاطفة فقط، بل مشروع وجدان ينهض على وعي باللغة وبالتجربة الإنسانية. أشار جلعاد إلى أن الشوق يتحول من حالة نفسية إلى بنية فكرية تنظم القصيدة وتوجه رؤيتها.

الحسّ الكلاسيكي الجديد في الشعر

يرى جلعاد أن الديوان ينتمي إلى ما يمكن تسميته “الوجدان المصفّى”، حيث لا يُستثمر الحنين بوصفه حنيناً سهلاً أو نوستالجيا مستهلكة، بل يُعاد إنتاجه داخل لغة منضبطة. يوازن بين التراث الإيقاعي العربي وحساسية الشاعر المعاصر، فيغدو النص مساحة مساءلة للذات والزمن والغياب. هذا التوجه يمثل عودة إلى الجذور مع لمسة عصرية.

كما لفت إلى أن محمد فتح الله يكتب من منطقة وسطى نادرة: منطقة لا تنفصل فيها القصيدة عن الإنسان، ولا تتحول فيها اللغة إلى استعراض، بل تبقى أداة كشف وبحث عن المعنى. هذا التوازن بين الشكل والمضمون هو ما يميز هذا العمل.

يأتي صدور الديوان في سياق ثقافي يشهد عودة ملحوظة للاهتمام بالشعر العمودي والتجارب التي تعيد الاعتبار للغة بوصفها حاملة للمعنى والذاكرة. يُقدّم محمد أبو راس عملاً يُحسب على مسار الشعر الوجداني الرصين، القادر على مخاطبة القارئ دون ادّعاء، وعلى إعادة الاعتبار للشعر بوصفه فعل بقاء ومقاومة داخلية. الشعر العربي يشهد بذلك تجديدًا مستمرًا.

من المتوقع أن يُعرض “ناشئة الشوق” في عدد من الفعاليات والمعارض الثقافية القادمة، بما في ذلك معرض الكتاب الدولي في القاهرة في يناير 2026. سيراقب النقاد والمتابعون ردود فعل القراء على هذا العمل الجديد، وتقييم تأثيره على المشهد الشعري الليبي والعربي. الديوان الشعري يمثل إضافة قيمة للمكتبة العربية، ويستحق المتابعة والتحليل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى