“ندم البائع”.. هل ينجح الغرب في استرداد أصوله الصناعية من الصين؟

بعد سنوات من السماح للشركات الصينية بالاستثمار في الأصول الصناعية في الغرب، تشهد أوروبا وأمريكا مراجعة شاملة لهذه السياسات. يرجع ذلك إلى مخاوف متزايدة بشأن فقدان السيطرة على ما يُعرف بـ”وسائل الإنتاج“، وتأثير ذلك على الأمن الاقتصادي والجيوسياسي. هذا التحول يأتي في ظل تصاعد التنافس الاستراتيجي مع الصين، وتزايد إدراك الحكومات الغربية لأهمية الحفاظ على القدرات الصناعية والتكنولوجية الرئيسية.
وتشير التقارير إلى أن صانعي السياسات في الغرب يعيدون تقييم الاستثمارات الصينية، خاصة تلك التي تتعلق بالقطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات والطاقة. هذه المراجعة تأتي بعد فترة طويلة من التركيز على الفوائد الاقتصادية قصيرة الأجل للاستثمار الأجنبي، دون إيلاء اهتمام كافٍ للتداعيات طويلة الأجل على الأمن القومي والقدرة التنافسية.
قضية نيكسبيريا نموذج لصراع الملكية
تبرز قضية شركة “نيكسبيريا” لصناعة أشباه الموصلات، وهي شركة هولندية مملوكة لصينيين، كمثال واضح على هذه التوترات. في أكتوبر الماضي، اتخذت الحكومة الهولندية إجراءً غير مسبوق بالسيطرة على جزء من عمليات الشركة، مدفوعةً بمخاوف بشأن تأثير القيود الصينية على الصادرات على سلاسل التوريد الأوروبية.
وقد فرضت الصين قيودًا على تصدير بعض أنواع أشباه الموصلات، ردًا على التدقيق الحكومي في صفقة نيكسبيريا. أدى هذا إلى تهديد بتعطيل إنتاج السيارات في أوروبا، حيث تعتمد العديد من الشركات على رقائق نيكسبيريا. وتشير التحليلات إلى أن هذه الخطوة الصينية كانت بمثابة تحذير للغرب بشأن التدخل في الاستثمارات الصينية.
الخلفية التاريخية للاستثمار الصيني
من المهم الإشارة إلى أن الصين اتبعت استراتيجية استثمارية مختلفة في الماضي. حتى في فترة الإصلاح والانفتاح، كانت بكين حريصة على الحفاظ على السيطرة على القطاعات الاستراتيجية، وفرضت شراكات مشتركة على الشركات الأجنبية الراغبة في دخول السوق الصينية. كما استخدمت هياكل قانونية معقدة، مثل نموذج “كيانات المصالح المتغيرة”، للحفاظ على السيطرة الفعلية على الشركات.
في المقابل، لم تفرض الدول الغربية قيودًا مماثلة عندما سعت الشركات الصينية للاستثمار في أوروبا وأمريكا. سمح ذلك للشركات الصينية بالاستحواذ على أصول وتقنيات إستراتيجية، مما أثار مخاوف بشأن نقل الملكية الفكرية والاعتماد على سلاسل التوريد الصينية.
تداعيات الاستثمار الصيني على الأمن الاقتصادي
تعتبر قضية نيكسبيريا بمثابة نقطة تحول في طريقة تفكير الحكومات الغربية في الاستثمار الصيني. فقد أدركت هذه الحكومات أن الاستثمار الصيني ليس مجرد عملية تجارية، بل هو أداة سياسية يمكن استخدامها لتحقيق أهداف استراتيجية. وتشمل هذه الأهداف تعزيز القدرات الصناعية الصينية، وتقليل الاعتماد على الغرب، وزيادة النفوذ الجيوسياسي.
وتشير التقارير إلى أن الحكومات الغربية بدأت في تطوير أدوات جديدة للتدقيق في الاستثمارات الصينية، وتقييم المخاطر المحتملة على الأمن القومي. وتشمل هذه الأدوات تعزيز صلاحيات لجان الاستثمار الأجنبي، وفرض قيود أكثر صرامة على نقل التكنولوجيا، وتشجيع الاستثمار المحلي في القطاعات الاستراتيجية. الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) أصبح الآن يخضع لتدقيق مكثف.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تركيز متزايد على تنويع سلاسل التوريد، وتقليل الاعتماد على الصين في القطاعات الحيوية. يشمل ذلك تشجيع الشركات على إعادة توطين الإنتاج، أو البحث عن مصادر بديلة للمواد الخام والمكونات. هذه الجهود تهدف إلى تعزيز القدرة على الصمود الاقتصادي، وتقليل التعرض للصدمات الخارجية.
الخطوات التالية والمخاطر المحتملة
من المتوقع أن تستمر الحكومات الغربية في تشديد الرقابة على الاستثمار الصيني في الأشهر والسنوات القادمة. قد يشمل ذلك فرض قيود جديدة على الاستثمارات في القطاعات الحساسة، أو حتى إلغاء بعض الصفقات التي تمت بالفعل. السياسات الصناعية الجديدة ستلعب دورًا حاسمًا.
ومع ذلك، هناك أيضًا مخاطر محتملة مرتبطة بهذا التحول في السياسة. قد ترد الصين بفرض قيود على الصادرات، أو اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الشركات الغربية. كما أن هناك خطر من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات التجارية والجيوسياسية بين الصين والغرب. الوضع لا يزال غير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة وتنسيقًا دوليًا.
في الوقت الحالي، من المرجح أن تشهد الفترة القادمة مزيدًا من الصراعات حول ملكية “وسائل الإنتاج” وتأثيرها على التوازن الاقتصادي والجيوسياسي العالمي. وستكون قضية نيكسبيريا بمثابة اختبار حقيقي لقدرة أوروبا وأمريكا على حماية مصالحهما الاستراتيجية في مواجهة التحدي الصيني المتزايد.





