Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دولي

نيويورك تايمز: هكذا فقدت الاستخبارات الأميركية جهازا نوويا للتجسس على الصين

كشف تحقيق استقصائي حديث لصحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل مثيرة لعملية تجسس سرية للغاية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، حيث تعاونت الولايات المتحدة والهند في منتصف الستينيات لنشر محطة تنصت نووية على قمة جبل ناندا ديفي في جبال الهيمالايا. كان الهدف من هذه العملية، التي أُطلق عليها اسم “ناندا ديفي”، هو مراقبة البرنامج الصاروخي والنووي الصيني المتنامي بعد أولى التجارب الذرية التي أجرتها بكين في عام 1964. وتُعد هذه القصة مثالاً بارزاً على التوترات الجيوسياسية التي سادت تلك الفترة.

بدأت عملية “ناندا ديفي” في عام 1965، مدفوعة بالقلق المتزايد في واشنطن بشأن القدرات النووية الصينية. واجهت الولايات المتحدة صعوبات في الحصول على معلومات استخباراتية موثوقة من داخل الصين، مما دفعها إلى البحث عن طرق مبتكرة لجمع البيانات. ورأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أن الارتفاعات الشاهقة لجبال الهيمالايا توفر موقعًا استراتيجيًا مثاليًا لاعتراض الإشارات اللاسلكية الصادرة عن الصواريخ الباليستية الصينية.

التعاون السري بين الولايات المتحدة والهند في عملية ناندا ديفي

اعتمد نجاح هذه المهمة السرية على تركيب مولد نووي محمول يعمل بالبلوتونيوم، يزن حوالي 50 رطلاً (22.7 كيلوجرامًا) وحجم كرة الشاطئ، في أعلى قمة جبل ناندا ديفي. كان هذا المولد ضروريًا لتشغيل محطة التجسس بشكل مستمر في الظروف الجوية القاسية والبيئة المعزولة للجبل. ويُقدر أن المولد احتوى على حوالي ثلث كمية البلوتونيوم المستخدمة في القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي اليابانية عام 1945.

للحفاظ على سرية العملية، تم التخطيط لغطاء علمي معقد. بمساعدة باري بيشوب، مصور مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، تم تقديم البعثة على أنها مهمة بحثية تهدف إلى دراسة فيزياء الغلاف الجوي. وقد لعب بيشوب دورًا رئيسيًا في تجنيد المتسلقين الذين عملوا لصالح وكالة الاستخبارات المركزية، مستغلين خبرتهم في تسلق الجبال لتسهيل نقل المعدات إلى القمة.

تحديات التنفيذ والاختفاء الغامض للمولد النووي

قاد العملية من الجانب الهندي القبطان إم. إس. كوهلي، وهو ضابط بحري متمرس في تسلق الجبال. واجه الفريق العديد من التحديات أثناء محاولته نقل المعدات الثقيلة إلى القمة في أكتوبر 1965، بما في ذلك العواصف الثلجية الشديدة والإرهاق وأعراض داء المرتفعات. اضطر المتسلقون إلى التراجع قبل تثبيت المحطة بشكل كامل.

نتيجة لذلك، اتُخذ قرار بترك المولد النووي مؤقتًا بالقرب من نهر جليدي، مثبتًا بسلاسل، على أمل استعادته في الموسم التالي. ولكن عندما عاد الفريق في ربيع عام 1966، اكتشفوا أن المولد قد اختفى تمامًا. يُعتقد على نطاق واسع أن انهيارًا جليديًا قد جرف المولد إلى أعماق الجليد أو إلى شبكة المياه الذائبة التي تغذي روافد نهر الغانغ.

أثار اختفاء المولد النووي حالة من الذعر الصامت في كل من واشنطن ونيودلهي. فقدان مادة البلوتونيوم المشعة يمثل خطرًا بيئيًا وأمنيًا كبيرًا. يمكن أن يؤدي تسرب البلوتونيوم إلى تلوث إشعاعي خطير، كما يمكن استخدامه في تصنيع ما يسمى بـ “القنبلة القذرة”.

تداعيات عملية ناندا ديفي والبحث المستمر عن المولد

أطلقت الحكومتان الأمريكية والهندية عمليات بحث سرية واسعة النطاق للعثور على المولد المفقود، لكنها باءت بالفشل بسبب التضاريس الوعرة والانهيارات الجليدية المستمرة. فرضت السلطات الهندية تعتيمًا كاملاً على القضية، وصنفت الوثائق المتعلقة بها، ومنعت المشاركين في العملية من الحديث عن التفاصيل. كما تم إغلاق المنطقة المحيطة بجبل ناندا ديفي لسنوات عديدة بحجة حماية البيئة.

على الرغم من فشل العملية، استمر التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة والهند. في عام 1967، تم تركيب جهاز تجسس آخر يعمل بالوقود المشع على جبل أقل ارتفاعًا، لكنه واجه مشاكل مماثلة وغاص في الجليد. بحلول منتصف السبعينيات، أصبحت هذه الأساليب قديمة مع ظهور تكنولوجيا الأقمار الصناعية للتجسس.

ظل أمر المولد النووي سرًا لأكثر من عقد، حتى كشف عنه المراسل هوارد كون في عام 1978. أثار هذا الكشف ضجة كبيرة في الهند، حيث استدعت الحكومة الهندية السفير الأمريكي واندلعت مظاهرات تندد بوكالة الاستخبارات المركزية. كان القلق الرئيسي يتعلق بالخطر البيئي المحتمل، حيث أن جبال ناندا ديفي تغذي الأنهار الجليدية التي تصب في نهر الغانغ، وهو شريان الحياة لملايين الهنود.

أجرت الهند عمليات مراقبة سنوية سرية للمنطقة حتى عام 2000، لكنها توقفت بسبب التكلفة العالية والصعوبات اللوجستية. لم يتم العثور على أي دليل قاطع على تلوث إشعاعي حتى الآن. ومع ذلك، فإن ذوبان الأنهار الجليدية المتسارع بسبب تغير المناخ يثير مخاوف جديدة بشأن احتمال تحرر المولد أو تسرب البلوتونيوم إلى مصادر المياه. تجري حاليًا دراسات لتقييم المخاطر المحتملة وتحديد الإجراءات اللازمة للتخفيف منها. من المتوقع صدور تقرير مفصل عن هذه الدراسات في الربع الأول من عام 2025.

يبقى مصير المولد النووي المفقود لغزًا، ويشكل إرثًا خطيرًا لقرارات اتُخذت في ذروة الحرب الباردة. تظل عواقب هذه العملية المحتملة تثير القلق، ولا يزال السؤال الجوهري دون إجابة: أين انتهت المادة النووية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى