هجرة العقول.. هآرتس: ربع علماء الرياضيات يعيشون خارج إسرائيل

تواجه إسرائيل تحديًا متزايدًا يتمثل في فقدان الكفاءات العلمية والأكاديمية، وهو ما يعرف بـ”هجرة العقول“. تشير بيانات رسمية حديثة لعام 2024 إلى تسارع هذه الظاهرة، مما يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل البحث العلمي والابتكار في البلاد. وتُظهر الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأكاديميين والباحثين الإسرائيليين الذين يقيمون ويعملون في الخارج.
وفقًا لصحيفة هآرتس، كشف مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن حوالي 55 ألفًا من الحاصلين على شهادات أكاديمية إسرائيلية كانوا يعيشون في الخارج في عام 2024. يعزو هذا الارتفاع إلى عدة عوامل متداخلة، بما في ذلك الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه الباحثين الشباب.
تفاقم هجرة العقول: الأسباب والتداعيات
لا يقتصر الأمر على الباحثين الذين يسافرون لإجراء أبحاث ما بعد الدكتوراه، بل يشمل أيضًا خريجي الجامعات الذين يختارون عدم العودة إلى إسرائيل بعد إكمال دراستهم. تظهر الإحصائيات أن 11.9% من حاملي الدكتوراه و8.1% من حاملي الماجستير الإسرائيليين يقيمون حاليًا في الخارج، وهو ما يعكس اتجاهًا مقلقًا نحو فقدان الكفاءات.
وتتركز هذه الهجرة بشكل خاص في المجالات العلمية الدقيقة، مثل الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والفيزياء والكيمياء. فمن بين حملة الدكتوراه في الرياضيات، يعيش 25.4% خارج إسرائيل، بينما تبلغ النسبة 21.7% في علوم الكمبيوتر. هذا التركز في المجالات الحيوية قد يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية لإسرائيل في هذه القطاعات.
العوامل السياسية والأمنية
أدت التوترات السياسية الداخلية، وخاصةً الجدل الدائر حول إصلاحات النظام القضائي، إلى خلق مناخ من عدم اليقين والشك لدى العديد من الأكاديميين. كما أن الأوضاع الأمنية المتدهورة، وخاصةً الحرب في قطاع غزة، ساهمت في زيادة الرغبة في البحث عن الاستقرار في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض قطاع التعليم العالي الإسرائيلي لانتقادات بسبب ما وصفه البعض بـ“هجمات لفظية” من قبل مسؤولين حكوميين على المؤسسات الأكاديمية. هذه الانتقادات أثارت مخاوف بشأن حرية البحث العلمي والاستقلالية الأكاديمية.
التحديات الاقتصادية والميزانية
يعاني الباحثون والأساتذة في إسرائيل من ظروف عمل صعبة، بما في ذلك نقص التمويل البحثي، وبيئات العمل غير المستقرة، وانخفاض الرواتب مقارنة ببعض الدول المتقدمة الأخرى. وقد أدت التخفيضات الأخيرة في ميزانية التعليم العالي، والتي بلغت حوالي 700 مليون شيكل (حوالي 218 مليون دولار أمريكي)، إلى تفاقم هذه التحديات.
ووفقًا لمصادر إعلامية، تم تحويل هذه الميزانيات المقطوعة إلى دعم المستوطنات واليهود المتشددين (الحريديم)، مما أثار انتقادات واسعة النطاق. كما نوهت التقارير إلى تحويل ميزانيات بحثية لوزارة الأمن القومي والعلاقات العامة، مما قلل من الدعم المخصص للبحث العلمي الأساسي.
تأثير المقاطعة الأكاديمية
بالتزامن مع هذه التحديات الداخلية، تواجه إسرائيل ضغوطًا خارجية متزايدة، بما في ذلك الدعوات إلى المقاطعة الأكاديمية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض في المنح البحثية الأوروبية، وهي مصدر تمويل حيوي للعديد من المشاريع العلمية في إسرائيل. ويرى البعض أن هذا الانخفاض في التمويل الخارجي يزيد من جاذبية الهجرة إلى الدول التي توفر فرصًا تمويلية أفضل.
هجرة العقول لا تهدد فقط القدرة الابتكارية لإسرائيل ولكنها تؤثر أيضًا على الاقتصاد وعلى مكانة الدولة كمركز عالمي للبحث والتطوير. المخاوف تتعاظم من أن فقدان الكفاءات العلمية سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع القدرة التنافسية.
من المتوقع أن يناقش البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في الأشهر القادمة مقترحات قوانين تهدف إلى معالجة هذه المشكلة، بما في ذلك زيادة التمويل للتعليم العالي وتحسين ظروف عمل الأكاديميين. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على الاستقرار السياسي والقدرة على التوصل إلى توافق في الآراء حول الأولويات الوطنية. سيطرة الحكومة الحالية واتجاهاتها تجاه الميزانية قد تلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبل هجرة العقول ومستقبل البحث العلمي في البلاد. سيتعيّن مراقبة ردود الأفعال الدولية تجاه الأوضاع في إسرائيل وتقييم تأثيرها على التعاون العلمي والتمويل البحثي.





