هل تتجه أفغانستان نحو أخطر أزمة جوع منذ عقود؟

كابل – مع اشتداد موجة البرد الشتوية، تعود أفغانستان إلى دائرة الأزمات الإنسانية، لكن هذه المرة بتحديات أكبر وتعقيدات متزايدة. حيث يحذر برنامج الأغذية العالمي من أن حوالي 17.4 مليون أفغاني يواجهون الجوع الحاد، في واحدة من أسوأ أزمات الغذاء التي تشهدها البلاد منذ عقود، وذلك في ظل تراجع الدعم المالي الدولي وتشابك العوامل الاقتصادية والسياسية.
تكتظ المستشفيات في العاصمة كابل ومدن أخرى بأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، ويصف الأطباء هذه المشاهد بأنها لم تعد استثنائية، بل هي جزء من الواقع اليومي الذي يزداد قتامة مع مرور كل أسبوع. ويُعزى هذا الوضع إلى عدة عوامل متضافرة، بما في ذلك الجفاف المستمر، وارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.
تدهور الأمن الغذائي في أفغانستان
أفاد برنامج الأغذية العالمي بأنه تلقى فقط 12% من التمويل المطلوب لتلبية الاحتياجات الغذائية العاجلة في أفغانستان. وقد أجبر هذا النقص الحاد في التمويل البرنامج على تقليص نطاق عملياته بشكل كبير، مما أثر بشكل مباشر على قدرته على الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً.
وفي المقابل، صرح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، بأن هذه الأرقام “مبالغ فيها وغير دقيقة”، وأنها تهدف إلى جذب المزيد من التبرعات. وأضاف أن الحكومة قد نجحت في السيطرة على الوضع الأمني في معظم أنحاء البلاد، مما أدى إلى تحسن فرص العمل وتوفير المزيد من الخدمات الأساسية.
يؤكد مجاهد أن الحكومة تقدم دعماً مباشراً للفئات الأكثر احتياجاً، مثل الأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن عودة العديد من اللاجئين الأفغان إلى البلاد قد ساهمت في تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال مشاريع البناء والإسكان.
تأثير الأزمة على النساء والأطفال
لطالما عانت أفغانستان من ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، ولكن ما يثير القلق بشكل خاص هذا العام هو الزيادة الكبيرة في حالات سوء التغذية بين النساء، وخاصة الحوامل والمرضعات. ويتوقع برنامج الأغذية العالمي أن حوالي 4.9 مليون امرأة وطفل سيحتاجون إلى علاج من سوء التغذية خلال العام المقبل.
ترى ليلى صابري، الخبيرة في الشؤون الإنسانية، أن هذا التحول في الأزمة يحمل دلالات خطيرة، موضحة أن “جوع النساء يؤثر بشكل مباشر على صحة الأطفال وقدرة الأسر على الصمود، ويضع المجتمع بأكمله على شفا الانهيار”.
تحديات إضافية بسبب الشتاء واللاجئين
يشكل فصل الشتاء تحدياً إضافياً للأفغان، حيث تغلق الطرق بسبب الثلوج، ويصبح الوصول إلى القرى النائية أمراً شبه مستحيل. ويواجه السكان المحليون معضلة صعبة: إما شراء الغذاء، أو تأمين وقود التدفئة.
كما أن عودة حوالي 4.5 مليون لاجئ أفغاني من إيران وباكستان خلال العامين الماضيين قد زادت الضغط على الموارد المحدودة في البلاد. كان العديد من هؤلاء اللاجئين يرسلون تحويلات مالية إلى أسرهم في أفغانستان، ولكن مع عودتهم، فقدت هذه الأسر مصدراً مهماً للدخل.
الآفاق المستقبلية والاعتبارات الدولية
يحذر برنامج الأغذية العالمي من أن تجاهل أزمة الغذاء في أفغانستان قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على الصعيد الإنساني، بل أيضاً على الأمن الإقليمي والدولي. والوضع يتدهور بشكل مستمر وتصاعد حدة الجوع فيه.
ويعتقد ولي مسعود، الخبير الاقتصادي، أن عودة اللاجئين قد أدت إلى قطع شريان اقتصادي حيوي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. ويقول إن القرى التي كانت تعتمد على دخل المغتربين أصبحت الآن تعاني من نقص حاد في الموارد.
يشير المحللون إلى أن الوضع في أفغانستان يتطلب استجابة دولية عاجلة ومستدامة، مع التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية دون شروط سياسية. ويرون أن الفصل بين الخلافات السياسية والواجب الإنساني أمر ضروري لإنقاذ حياة الملايين من الأفغان. ومن المهم الاستمرار في رصد الوضع الإنساني، وتقديم الدعم اللازم للفئات الأكثر ضعفاً، والعمل على إيجاد حلول طويلة الأمد لأزمة الغذاء في البلاد.
من المتوقع أن يصدر برنامج الأغذية العالمي تقريراً مفصلاً عن الوضع في أفغانستان بحلول نهاية الشهر الجاري. وسيوفر هذا التقرير تقييماً شاملاً للاحتياجات الإنسانية، والتحديات التي تواجه عملية تقديم المساعدات. وسيكون هذا التقرير بمثابة نقطة مرجعية هامة للمجتمع الدولي لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن كيفية الاستجابة للأزمة في أفغانستان.




