هل تجاوزت حماس تغييب بعض قياداتها في غزة؟
غزة- شهدت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إعلان جيش الاحتلال اغتياله ما يقارب نصف أعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع، على وقع وعيد وتهديدات قادة الاحتلال الإسرائيلي بجعل قادة الحركة يدفعون الثمن، فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، أم أن حماس تمكنت من تجاوز تغييب بعض قيادتها؟
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد -خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته لإسرائيل بعد أيام من بدء الحرب- بـ”القضاء على حماس” وجعل من ذلك أحد أهداف الحرب.
وفي مارس/آذار 2021 أعلنت حركة حماس نتائج انتخاباتها الداخلية في قطاع غزة، واختيار رئيس وأعضاء مكتبها السياسي، وذلك بناء على نظامها الداخلي الذي ينص على إجراء الانتخابات الحركية كل 4 أعوام. وضم المكتب السياسي لحركة حماس 17 عضوا، أضيف لهم عضوان آخران لاحقا، وترأس المكتب يحيى السنوار.
سلسلة اغتيالات
ومع بدء شرارة الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ التهديدات باغتيال القيادة السياسية لحركة حماس، وتمكن بعد 3 أيام فقط من اغتيال عضوين من المكتب السياسي في استهداف واحد، حيث نعت حركة حماس في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كلا من زكريا أبو معمر الذي يرأس دائرة العلاقات الوطنية فيها، وجواد أبو شمالة الذي يتولى الدائرة الاقتصادية.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اغتالت، جميلة الشنطي أول سيدة تشغل عضوية المكتب السياسي في حركة حماس، وكانت تشرف على ملفي الجامعات والقرآن الكريم.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت حماس استشهاد رئيس مجلس الشورى في قطاع غزة أسامة المزيني، إثر العدوان الإسرائيلي.
إعلان
ومنذ ذلك الحين، توقفت حركة حماس عن الإعلان عن استشهاد أي من أعضاء مكتبها السياسي، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي عن اغتيالات جديدة، والتزمت الصمت دون النفي أو التأكيد.
ففي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أنه استهدف في غارة جوية نفقا كان يختبئ فيه أعضاء كبار في المكتب السياسي لحركة حماس من بينهم روحي مشتهى وعصام الدعاليس وسامح السراج.
وفي 26 مارس/آذار 2024 أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة حماس والقيادي في كتائب القسام مروان عيسى، وقال “إن عملية استهداف القيادي عيسى وقعت قبل أسبوعين في مخيم النصيرات”.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أعلن القيادي في حركة حماس خليل الحية عن استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار بعدما ظهر مشتبكا مع قوات الاحتلال في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
وكان رئيس حركة حماس إسماعيل هنية قد تعرض للاغتيال في 31 يوليو/تموز 2024، بينما كان في العاصمة الإيرانية طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، في عملية اتهمت حماس بها إسرائيل.
سد الفراغ
وقال قيادي في حركة حماس بغزة إن استهداف القيادات السياسية والعسكرية في معركة طوفان الأقصى “غير مسبوق” في تاريخ النضال الفلسطيني، لكن حماس بحكم قيادتها لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني تعرضت لموجات ممتدة من الاستهداف المباشر للقيادة السياسية منذ عقود، وهو ما جعلها تضع قضية استهداف صفوفها القيادية الأولى ضمن ترتيباتها الإدارية واللوائح الناظمة للعمل بحيث يتم التعويض المباشر لأي غياب للقيادات سواء السياسية أو العسكرية.
وأكد القيادي، في حديث للجزيرة نت، مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب الظروف الأمنية الراهنة، أن “واقع معركة طوفان الأقصى والاستهداف الواسع للمستويات القيادية وضع حماس أمام تحد لتعويض التغييب السياسي لعدد منهم، وأي متابع يدرك أن الحركة استطاعت تعويض جميع المناصب السياسية والميدانية التي تم استهداف مسؤوليها”.
إعلان
ودلل القيادي في حماس على ذلك بأن حركته تواصل الإمساك بزمام المعركة الميدانية والسياسية ولم تتأثر عملية المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وأضاف “ظروف الحرب الضاغطة وضعت ترتيبات جديدة لجميع الملفات بما يتناسب مع المرحلة عبر بناء إداري ديناميكي يتيح الانتقال بالمناصب والمهام بشكل سريع”.
وشدد القيادي في حماس على أن هناك “تواصلا مستمرا بين القيادة السياسية في غزة وخارجها خاصة في إدارة عملية التفاوض، وهذا ما تحدث عنه الوسطاء والاحتلال أكثر من مرة عندما قالوا إن القيادة في غزة حاضرة بقرارها”.
وأكد أنه رغم الاغتيالات والملاحقة، فإن حركة حماس اتخذت جملة إجراءات لضمان استمرار عملها السياسي والتفاوضي بتوافق كامل بين قيادتها في الداخل والخارج.
وتابع “حماس ستفاجئ الجميع بقدرتها على البقاء والاستمرار، وستظل العمود الفقري لمشروع التحرر الفلسطيني، وباعتراف الجميع، لا يمكن القضاء على حماس أو إقصاء نهجها وفكرتها بأي شكل لأنها تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال”.
يشار إلى أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قال في مقابلة له مع القناة 13 الإسرائيلية في 19 يونيو/حزيران الماضي “إن الحديث عن القضاء على حماس ذر للرماد في عيون الشارع الإسرائيلي”، مضيفا “ما دام المستوى السياسي لا يطرح بديلا لحماس فإنها باقية، لأن حماس فكرة، ومن يظن أنه من الممكن أن تختفي فهو مخطئ”.
الاستفادة من التجارب
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، وسام عفيفة، أن حركة حماس تعرضت منذ تأسيسها عام 1987 إلى ضربات قاسية سواء بالاعتقال أو الإبعاد أو الاغتيال، كان أولها بعد عامين من انطلاقتها عندما تعرضت كل القيادة السياسية ومختلف أذرعها لحملة اعتقالات واسعة من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقال عفيفة، في حديث للجزيرة نت “يبدو أن التجربة الأولى كانت اختبارا حقيقيا لحماس واستطاعت تعويض الغياب القسري لقيادتها من خلال مستويات أخرى وملء الفراغات من الصفوف الخلفية للحركة، بحكم طبيعتها التنظيمية التي تعتمد بشكل كبير على البناء الهرمي وتهيئة الأفراد للتقدم في المستوى القيادي”.
إعلان
وأوضح أن الأمر تكرر مع حركة حماس في الانتفاضة الفلسطينية الثانية مطلع عام 2000 عندما اغتالت قوات الاحتلال كل قيادات المستوى الأول منهم الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة وإسماعيل أبو شنب وغيرهم، ورغم ذلك تجاوزت حماس كل العقبات في فترة وجيزة عبر إعادة ترميم نفسها واستكمال مسيرتها.
واعتبر عفيفة أن تغييب القيادة السياسية لحماس في معركة طوفان الأقصى وعلى رأسهم يحيى السنوار يجب النظر إليه بعدة اعتبارات، أولها أن وجود عدد لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي لحماس بغزة، خارج القطاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 يبدو قد يكون ضمن مخططات القيادة السياسية، لأنها هي التي تتابع حاليا الشأن السياسي وملف المفاوضات.
ولفت المحلل السياسي إلى أنه بناء على المعطيات السابقة يمكن القول إن الثقل بالقرار السياسي أصبح خلال الحرب بشكل إجباري خارج قطاع غزة، وهو ما يعطي مؤشرا مبدئيا على طريقة إدارة المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة للتأقلم والتعاطي مع المستجدات التي فرضتها الحرب على القيادة السياسية لأكثر من 14 شهرا، مع تقديره أن حماس تدار حاليا بطريقة إدارة الأزمة.
مواصلة العمل
وفي السياق نفسه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، أن الاستهدافات والاغتيالات الإسرائيلية تاريخيا لا تؤثر على الفصائل الفلسطينية، وأن حركة حماس استفادت من سياسة الإقصاء وتأقلمت مع العمل تحت المطاردة والاغتيال والاعتقال عبر إيجاد قيادات بديلة بمستويات متعددة لشغل أي تغييب لقيادتها وعناصرها.
وقال القرا إن حماس تمكنت من تجاوز أزمات سابقة عبر العودة للعمل بسرية وكتمان دون الإعلان عن أسماء قيادة بعض الملفات، مضيفا أن مواصلة عملها في غزة على كل المستويات بما فيها العسكري والتفاوضي يشير إلى أنها تجاوزت أزمة الاغتيالات.
إعلان
واستشهد القرا بأن حماس تتمسك بمطالبها بوقف إطلاق النار، وبالتالي دحضت رواية الاحتلال بأن اغتيال السنوار وتغييبه عن قيادة حماس قد يدفعها لخفض سقف مطالبها، لكنها بقيت تتعامل بنفس الزخم والآليات والمطالب.
وأشار إلى أن حركة حماس لا تعتمد على أشخاص بعينهم رغم أهميتهم بقدر اعتمادها على البنية التنظيمية والمؤسساتية في مختلف المجالات، وهذا ما مكنها من الاحتفاظ بعشرات الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها منذ 15 شهرا رغم الاستهداف الكبير لقيادتها العسكرية والميدانية، وهو ما ينطبق على القطاعات الاجتماعية والإغاثية، والحكومية التي تواصل عملها رغم الاستهداف والتضييق.
ويستبعد القرا إمكانية انتقال العبء القيادي من داخل غزة لخارجها نظرا لخصوصية قطاع غزة وتمثيله ثقل حماس سواء من خلال عدد المنتمين للتنظيم أو القوة السياسية والعسكرية والحكومية.
ورغم ذلك، فإن هذا لا يمنع بروز دور لحماس في الخارج فيما يتعلق بملف الطوارئ والعمل الإغاثي والتواصل الخارجي والتشبيك، بحسب المحلل السياسي، مع الإشارة إلى أن البنية التنظيمية لحركة حماس لا تقوم على إقليم أو شخص، وهناك قيادة تجمع الأقاليم الثلاثة التي تضم قطاع غزة والضفة المحتلة والخارج إضافة إلى السجون.