هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟

تزايدت في الآونة الأخيرة النقاشات حول ما يُسمى بـ “تحالف الأخضر والأحمر” في سياق الحراك العالمي الداعم لفلسطين، وهو مصطلح يهدف إلى تصوير تقارب بين الحركات الإسلامية واليسارية. تتهم بعض المراكز البحثية والصحف العبرية هذا التحالف بأنه يجمع قوى متناقضة جوهريًا، ويسعى إلى استغلال المشاعر المناهضة لإسرائيل في الغرب. يثير هذا الأمر تساؤلات حول حقيقة هذا التقارب، والسياق التاريخي والفكري الذي يدفعه، وكيف تحاول إسرائيل توظيفه في سياق حملاتها الدعائية.
حقيقة ائتلاف الأخضر مع الأحمر: نظرة أعمق
تعتبر فكرة “تحالف الأخضر والأحمر” اختزالًا مبسطًا ومعقدًا في آن واحد للحراك الداعم لفلسطين. تشير التقارير إلى أن هذا التحالف ليس بالضرورة تحالفًا رسميًا أو مُنظمًا، بل هو تقارب ظرفي ينشأ في سياق الاحتجاجات والتعبئة ضد السياسات الإسرائيلية. تؤكد دراسات ميدانية أن المشاركة في هذه الاحتجاجات متنوعة للغاية، وتشمل مجموعات طلابية، ومنظمات دينية، وناشطين من مختلف الخلفيات الأيديولوجية والسياسية.
تسعى بعض الجهات الإسرائيلية، مثل معهد ريوت، إلى تصوير أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية أو التشكيك في يهوديتها على أنه تهديد وجودي، وتصنف حركة المقاطعة والناشطين الأكاديميين في خانة “شبكة نزع الشرعية”. وبموجب هذا التصنيف، يتحول النقد السياسي إلى فعل عدائي يستدعي المواجهة.
محاولات إسرائيل لتصوير الحراك
تبنت الحكومة الإسرائيلية هذا الإطار المفاهيمي، وأوكلت إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية مهمة “قيادة الحملة ضد حركة المقاطعة”. وتعمل هذه الوزارة، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل معهد دراسة معاداة السامية في واشنطن، على ترويج هذه الأطروحات في الأروقة السياسية الغربية، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال تمويل مراكز بحثية ودعم حملات إعلامية.
تعتمد هذه الجهات على تصوير الحراك الداعم لفلسطين على أنه بيئة خصبة لحركة حماس، وتضمين منظمات مثل “صوت يهودي من أجل السلام” و”طلاب من أجل العدالة في فلسطين” ضمن هذا الإطار. يهدف هذا التكتيك إلى تشويه صورة الحراك وتقويض مصداقيته من خلال ربطه بجهات تعتبرها إسرائيل “متطرفة” أو “معادية للسامية”.
السياق التاريخي والفكري للتقارب
يعود التقارب بين الإسلاميين واليساريين إلى جذور تاريخية أقدم من الحراك الحالي. يشير المفكرون إلى أن هذا التقارب ظهر بشكل واضح خلال الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث أبدى بعض المثقفين اليساريين إعجابهم بالروح الثورية للحركة الإسلامية. وقد ساهمت أعمال مفكرين مثل ميشيل فوكو وإدوارد سعيد في توفير إطار فكري لهذا التقارب، من خلال نقد الإمبريالية الغربية والتركيز على قضايا العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.
يتجلى هذا التقارب في قيم مشتركة مثل مناهضة الاستعمار، والتضامن مع المظلومين، ومعارضة عنف الدولة. ويرى بعض الباحثين أن هذا التقارب ليس بالضرورة قائمًا على اتفاق أيديولوجي كامل، بل هو تحالف تكتيكي ينشأ في سياق مواجهة تحديات مشتركة. كما أن إطار “التقاطعية” الذي تبنته حركات العدالة الاجتماعية يوفر مساحة للتضامن دون الحاجة إلى تجانس أيديولوجي.
دور فقه الأولويات في التفسير الإسلامي
من منظور إسلامي، يمكن فهم هذا التقارب من خلال مفاهيم فقهية مثل “فقه الأولويات” و”فقه الموازنات”. يجيز “فقه الأولويات” تأخير الخلافات الأيديولوجية لصالح مواجهة التهديدات الأكبر، بينما يسمح “فقه الموازنات” بالتعاون مع أطراف مختلفة على أساس مصالح مشتركة. كما يستدعي بعض الإسلاميين مفهوم “حلف الفضول” الذي شارك فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم نصرة للمظلومين، كنموذج للتحالف المرحلي على أساس أخلاقي.
مستقبل الحراك وتداعياته
من المتوقع أن يستمر الحراك الداعم لفلسطين في التوسع والتنوع، وأن يشهد المزيد من التقارب بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذا التقارب قد يكون هشًا وغير مستقر، وقد يتأثر بالتطورات السياسية والأيديولوجية. كما أن الجهود الإسرائيلية لتشويه صورة الحراك وتقويض مصداقيته ستستمر على الأرجح، مما يتطلب من الناشطين والمدافعين عن حقوق الفلسطينيين بذل المزيد من الجهود لمواجهة هذه الحملات.
في الفترة القادمة، يجب مراقبة تطورات الوضع في غزة والضفة الغربية، وردود الفعل الدولية على السياسات الإسرائيلية، وتأثير هذه التطورات على الحراك العالمي. كما يجب الانتباه إلى كيفية استغلال الجهات الإسرائيلية للخطاب المناهض للسامية لتبرير أفعالها وتقويض حركة التضامن مع فلسطين.




