Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

هل تنفذ الهند تهديداتها بتعليق معاهدة تقاسم المياه مع باكستان؟

في خطوة غير مسبوقة منذ توقيعها قبل 65 عامًا، أعلنت الهند في 23 أبريل/نيسان 2025 تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960 مع باكستان، ردًّا على هجوم في منطقة بهلغام بإقليم جامو وكشمير أسفر عن مقتل 26 شخصًا، بينهم 25 مواطنًا هنديا ومواطن نيبالي.

وصفت الهند، التي تتهم باكستان بدعم الإرهاب عبر الحدود، قرار التعليق بأنه رد على “تورط باكستان” في الهجوم، وهو اتهام تنفيه إسلام آباد بشدة.

ويثير هذا القرار تساؤلات عن مصير واحدة من أنجح الاتفاقيات المائية في العالم وتداعياته على استقرار المنطقة.

خريطة بالسدود الهندية على نهر السند (الجزيرة)

تفاصيل معاهدة نهر السند

تُعد معاهدة مياه نهر السند، التي توسط فيها البنك الدولي عام 1960، نموذجًا نادرًا للتعاون بين الهند وباكستان رغم العداء التاريخي بين البلدين.

تنظم المعاهدة تقاسم مياه 6 أنهار في حوض نهر السند: الأنهار الشرقية (سوتليج، وبيس، ورافي) مخصصة للهند وتمثل 20% من التدفقات الكلية، بينما الأنهار الغربية (السند، وجهيلم، وتشيناب) مخصصة لباكستان بنسبة 80% من التدفقات.

بقيت المعاهدة سارية رغم الحروب والنزاعات، فقد صمدت أمام 3 حروب بين الهند وباكستان (1947، 1965، 1971) وتوترات متكررة حول كشمير، مما جعلها رمزًا للاستقرار المائي في وسط آسيا.

باكستان تعتمد على هذه الأنهار لري 80% من أراضيها الزراعية (نحو 15 مليون هكتار) التي تشكل حوالي 20% من ناتجها المحلي الإجمالي وتوظف ثلث القوى العاملة، كما تولد هذه الأنهار ثلث الطاقة الكهرومائية في البلاد.

أما الهند، دولة المنبع، فتملك ميزة جغرافية تتيح لها التحكم بتدفق المياه، لكن قدراتها اللوجستية محدودة حاليا بسبب نقص البنية التحتية لتخزين أو تحويل كميات كبيرة من المياه.

ويقول ناوين سينغ كادكا، في مقال له على موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، إنه “من المستحيل على الهند حجز عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه من الأنهار الغربية خلال فترات ارتفاع منسوب المياه. فهي تفتقر إلى البنية التحتية الضخمة للتخزين والقنوات الواسعة اللازمة لتحويل هذه الكميات”.

بينما يرى هيمانشو ثاكار، خبير موارد المياه الإقليمي في شبكة جنوب آسيا للسدود والأنهار والسكان، أن “البنية التحتية التي تمتلكها الهند تتكون في معظمها من محطات طاقة كهرومائية تعمل على جريان النهر ولا تحتاج إلى تخزين هائل”.

ماذا يعني تعليق المعاهدة سياسيا؟

وعن الآثار العملية للقرار الهندي بشأن تعليق معاهدة مياه نهر السند، يقول الخبراء إن الهند تستطيع الآن تعديل البنية التحتية القائمة أو بناء منشآت جديدة لحجز أو تحويل مزيد من المياه من دون إبلاغ باكستان.

وإذا بدأت الهند بالتحكم في تدفق المياه من خلال بنيتها التحتية الحالية والمحتملة، فقد تشعر باكستان بالتأثر خلال موسم الجفاف، عندما يكون توافر المياه في أدنى مستوياته بالفعل، بحسب مقال في صحيفة “دان” الباكستانية لحسن فرقان خان الأستاذ المساعد في السياسة البيئية الحضرية والدراسات البيئية بجامعة تافتس الأميركية.

يمثل تعليق المعاهدة تصعيدًا خطيرًا في العلاقات الهندية الباكستانية، التي تعاني أصلًا من توترات بسبب قضية كشمير.

وبطبيعة الحال، فقد رفضت باكستان القرار الهندي وعدّته “أحاديا” و”غير قانوني”، مشيرة إلى أن المعاهدة ترعاها جهات دولية (البنك الدولي)، وذلك يجعل تعليقها خرقًا للقانون الدولي.

ووصف وزير الطاقة الباكستاني أويس لاغاري القرار بـ”العمل الجبان” و”حرب المياه”، محذرًا من أن أي تلاعب بالتدفقات سيُعتبر “إعلان حرب”.

An Indian Army soldier looks out from an armoured vehicle on a highway leading to South Kashmir's Pahalgam, following a suspected militant attack, in Marhama village, in Kashmir, April 23, 2025. REUTERS/Adnan Abidi
قوات هندية تنتشر في كشمير (رويترز)

أمن قومي

جاء في بيان لجنة الأمن القومي في الحكومة الباكستانية أن معاهدة مياه نهر السند “هي اتفاقية دولية ملزمة تم التوصل إليها بوساطة البنك الدولي ولا تتضمن أي بند يسمح بالتعليق من جانب واحد. إن هذه الاتفاقية تشكل شريان حياة لـ240 مليون شخص، وسيتم ضمان توفرها بأي ثمن، وأي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه خلافا للاتفاق ستعتبر عملا حربيا”.

ويرى المراقبون أن الهند، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تستخدم القرار لتعزيز موقفها الداخلي قبل الانتخابات المحلية، حيث يُنظر إلى الخطوة على أنها إظهار للقوة ضد باكستان، لكن هذا التصعيد قد يعيق جهود الوساطة الدولية، خاصة مع دعوات من الأمم المتحدة والبنك الدولي للعودة إلى الحوار.

ويرى الباحث الهندي ظفر الإسلام خان أن تشديد الموقف ضد باكستان ينفع ناريندرا مودي سياسيا داخل البلاد؛ إذ إن شريحة من الناخبين الهنود يرضيهم جدا قطع العلاقات أو على الأقل تجميدها مع باكستان، لأن سياسات الهند ودعايتها منذ سنوات طويلة تقول إن باكستان مسؤولة عن كثير من مشاكل الهند وإنها تشجع وتموّل الإرهاب في الهند وخصوصا في كشمير.

تداعيات اقتصادية وأمنية وحقوقية

نقص المياه قد يكون كارثيا على الزراعة في باكستان التي تعتمد على نهر السند لري أراضٍ شاسعة في إقليمي السند والبنجاب، وقد يؤدي انخفاض المحاصيل (مثل القمح والأرز) إلى ارتفاع أسعار الغذاء وتفاقم التضخم وأزمات اجتماعية.

كذلك يهدد نقص المياه إنتاج الطاقة الكهرومائية، فيزيد من أزمة الطاقة في باكستان، وثمة تقديرات تشير إلى أن تقليص التدفقات بنسبة 10% قد يكلف باكستان خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويا.

وفي مقال له بصحيفة جانغ اليومية باللغة الأردية، يقول الإعلامي الباكستاني سليم صافي تعليقا على القرار “على المدى القصير، قد تستفيد الهند من توجيه مزيد من المياه إلى ولايات مثل البنجاب وهاريانا. لكن بناء سدود أو قنوات جديدة لتخزين المياه يتطلب استثمارات ضخمة وسنوات من العمل، مما يحد من التأثير الفوري. كما أن تحويل المياه قد يؤثر سلبًا على الزراعة في بعض المناطق الهندية إذا لم تُدر الموارد بعناية”.

يرفع القرار الهندي مخاطر التصعيد العسكري بين دولتين نوويتين؛ فباكستان حذرت من أن قطع المياه سيُعدّ “خطًا أحمر”، ويشير إغلاقها لمجالها الجوي وإغلاق معبر واجه-أتاري الحدودي، وسحب الهند لدبلوماسييها من إسلام آباد، إلى أزمة دبلوماسية شاملة.

وفي تصريحات تدل على التصعيد في الموقف، يقول وزير النفط والغاز الطبيعي الهندي هارديب سينغ بوري، محذرا باكستان “لن نتسامح مع هذا بعد الآن. انتظروا بضعة أيام”.

وعلى المدى البعيد، قد يؤدي نقص المياه إلى اضطرابات داخلية في باكستان، خاصة في المناطق الريفية، مما يعزز التطرف ويضعف استقرار الحكومة. وفي المقابل، قد تواجه الهند مخاطر هجمات انتقامية من جماعات مسلحة، مما يزيد من التوتر في منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان.

وفي المجال الحقوقي، يثير تعليق المعاهدة قضايا حقوقية خطيرة، إذ إنه يحرم ملايين الباكستانيين من حقهم في المياه، وهو حق أساسي بموجب القانون الدولي. وحذرت منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش من أن استخدام المياه كأداة سياسية قد يشكل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف.

التداعيات على مستوى الإقليم

يهدد القرار الهندي استقرار جنوب آسيا حيث يعتمد أكثر من مليار شخص على أنهار الهيمالايا، والتغير المناخي الذي يتسبب في ذوبان الأنهار الجليدية يزيد من حساسية إدارة الموارد المائية، وأي تصعيد في التوترات قد يعرقل جهود التعاون الإقليمي، مثل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي. كذلك فإن تدخل قوى خارجية، من دول كالولايات المتحدة والصين أو روسيا، قد يزيد من تعقيد الوضع.

يقول الكاتب الهندي ظفر الإسلام خان للجزيرة نت “ستكون هناك تداعيات كبيرة لهذه الخطوة، وأهمها احتمال قيام باكستان بإلغاء معاهدة شيملا الثنائية التي عقدت سنة 1972 في أعقاب الحرب بين البلدين وأدت إلى ظهور بنغلاديش واعتراف باكستان بها”.

ويرى ظفر الإسلام خان أن “تداعيات إلغاء معاهدة شيملا ستكون أكبر من تبعات إلغاء معاهدة تقاسم المياه، فإلغاء معاهدة شيملا يؤدي إلى زيادة التوتر على حدود البلدين وقد يصل إلى عدم اعتراف باكستان بخط وقف إطلاق النار بينهما، كما قد يؤدي إلى تدويل قضية كشمير لأن معاهدة شيملا اعتبرت تلك المشكلة قضية ثنائية بين الدولتين حلها يكون بالمفاوضات بينهما فقط”.

موقف الصين حيال الأزمة الأخيرة مهم لأنها دولة جارة لكل من الهند وباكستان ولاعب إقليمي رئيسي في المنطقة، إذ إن علاقتها الوثيقة مع باكستان وتوتر علاقاتها مع الهند يضعها في موقف داعم لإسلام آباد.

وقد تستغل الصين الأزمة لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة من خلال مشاريع مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يمر عبر مناطق متنازع عليها مثل كشمير.

ومع ذلك، فالصين لها مصلحة في استقرار المنطقة لضمان استمرار مشاريعها الاقتصادية، وقد تدعو إلى تهدئة التوترات لتجنب نزاع إقليمي يؤثر على مصالحها.

أما الولايات المتحدة التي لها مصالح في استقرار المنطقة فقد تضغط على الطرفين لتجنب التصعيد.

سيناريوهات تطور الوضع

إذا بدأت الهند بتقييد تدفق المياه فعليا فقد ترد باكستان بتحركات عسكرية، خاصة في كشمير، وقد يجر هذا السيناريو المنطقة إلى نزاع مدمر، خاصة مع امتلاك البلدين لأسلحة نووية.

ويرى المراقبون أن نشوب حرب نووية أو حتى حرب تقليدية شاملة بين الهند وباكستان غير مرجح في هذه المرحلة لأن كلا البلدين يدرك أن الحرب الشاملة قد تكون مدمرة لهما معًا، خصوصًا في ظل وجود الترسانتين النوويتين.

ويعزز هذا الرأي أن في أزمات سابقة خطيرة، مثل أزمة بالاكوت عام 2019، تم احتواء التصعيد بعد تدخلات دولية وضغوط داخلية.

لكن بحسب خبراء، تبقى المواجهات المحدودة أو الاشتباكات عبر خط الهدنة محتملة بشدة، سواء في شكل قصف متبادل أو عمليات محدودة، مع استمرار الخطاب العدائي بين نيودلهي وإسلام آباد.

وتبقى المنطقة أمام مرحلة توتر عالية وخطيرة، لكنها على الأرجح ستُدار ضمن حدود “الصدام المحدود” لأن المجتمع الدولي -خاصة الولايات المتحدة والصين- غالبًا ما يتدخل بسرعة للتهدئة، خوفًا من انزلاق الوضع إلى مواجهة نووية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى