هل سينطلق العام الدراسي في لبنان رغم ظروف الحرب؟
بيروت– مع اقتراب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تواجه المدارس الرسمية اللبنانية تحديات معقدة تهدد استقرار العملية التعليمية، مع استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان التي تسببت في نزوح واسع من الجنوب إلى مناطق الوسط والشمال.
ورغم جهود وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال لتجاوز العقبات، فإن الوضع الأمني الحالي يتحدى خططها واستعداداتها، مما يضع قطاع التعليم اللبناني أمام أزمة متفاقمة، لا سيما في مناطق المواجهات، ومع استمرار حركة النزوح الكثيفة.
وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم في توفير بيئة آمنة للطلاب والكوادر التعليمية، إذ ما زالت بعض المدارس تُستخدم مراكز إيواء، إلى جانب نقص الكوادر التعليمية بفعل الظروف الأمنية.
التعليم أولا
أعلن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، في بيان له، أن العام الدراسي الرسمي سيبدأ الاثنين المقبل (الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني)، مع التركيز على دعم المدارس وتجهيزها لاستقبال الطلاب من خلال توفير الموارد الأساسية اللازمة.
وأشار الحلبي إلى أن الوزارة لن تقوم بإخلاء أي مدرسة من النازحين في الوقت الراهن، موضحا أن هناك نحو 310 مدارس رسمية غير مشغولة بمراكز الإيواء، مما يوفر خيارا إضافيا لدعم العملية التعليمية.
من جانبه، أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، للجزيرة نت، دعمهم لفتح العام الدراسي في التاريخ المحدد، مشددا على أن التعليم هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تعويضه.
وأضاف “يمكن للمصنع المتوقف أن يُعاد تشغيله بعد 6 أشهر، لكن خسارة عام دراسي تعني خسارة جيل كامل”، وأوضح أن إنقاذ العام الدراسي يمثل أولوية بالنسبة لهم.
وفي سياق الاستعدادات، أشار محفوض إلى أن المدارس الخاصة بدأت بالفعل منذ 3 أو 4 أسابيع، خصوصا في المناطق الآمنة نسبيا، بينما يتم التعليم عن بُعد في المناطق القريبة من خطوط التماس، مثل الضاحية الجنوبية في بيروت والشوف والبقاع.
وأضاف محفوض أنهم عرضوا على وزير التعليم تقديم الدعم، لا سيما أن المدارس الرسمية تستقبل عددا كبيرا من الطلاب النازحين، مما يضغط على طاقتها الاستيعابية. وأشار إلى أنهم اقترحوا تخصيص المدارس الخاصة للدراسة بعد الظهر للمساهمة في تخفيف الأعباء، مع استعدادهم لوضع هذه المدارس تحت تصرف الوزارة.
وعن المدارس الرسمية التي لا تستقبل نازحين، أشار محفوض إلى اعتماد نظام الدوام المتعدد، بحيث تتوزع الدراسة على فوجين، الأول أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، والثاني أيام الخميس والجمعة والسبت، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص بعض الحصص بعد الظهر.
وفي ما يتعلق بأبناء النازحين، قال محفوض إنه سيتم توجيههم إلى أقرب مدرسة خاصة للدراسة بعد الظهر، وفق خطة تخصيص كل 3 مراكز إيواء بمدرسة قريبة. وفي حال تعذّر ذلك، سيُعتمد التعليم عن بُعد في منازلهم أو في أماكن نزوحهم.
وأكد محفوض أنهم سيستخدمون كل الوسائل الممكنة، من التعليم الحضوري إلى التعليم المدمج والتعليم عن بُعد، لإنقاذ العام الدراسي. وكشف أن هناك اقتراحا يسمح للطالب النازح بالتسجيل في مدرستين، مدرسته الأساسية والمدرسة التي يتلقى فيها تعليمه حاليا، ليتمكن من العودة بسهولة إلى مدرسته الأصلية بعد انتهاء الحرب.
انطلاقة متعثرة
ولقي إعلان بدء العام الدراسي ردود فعل متباينة من الأهالي والمعلمين والإداريين. فقد أعربت رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي اللبناني نسرين شاهين، للجزيرة نت، عن رفضها لانطلاق العام الدراسي في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة، مشيرة إلى أن الأساتذة المتعاقدين يشكلون أكثر من 70% من الكادر التعليمي في المدارس الرسمية.
وأضافت شاهين “نرى أن بدء العام الدراسي سيكون متعثرا إلى حد كبير، وقد تتضح مؤشرات فشله منذ اليوم الأول”.
وأوضحت أن هناك 310 مدارس فقط لا تستقبل نازحين، بينما تستضيف جميع المدارس الأخرى عددا منهم، مما يجعل استيعاب الطلاب اللبنانيين في المدارس تحديا كبيرا. وأضافت “في حال التعليم الحضوري، لن نتمكن من استقبال أكثر من نصف طلاب لبنان كحد أقصى، مما يعني أن نصف الطلاب أو أكثر لن يتمكنوا من الالتحاق بمدارسهم الاثنين المقبل”.
أما بالنسبة للخطة المقترحة للتعليم عبر الإنترنت، فتؤكد شاهين أنها غير جاهزة حاليا، وأن معظم الطلاب يفتقرون إلى التجهيزات اللازمة للاستفادة منها. واختتمت بالقول إن “الوضع الأمني الراهن لا يوفر بيئة آمنة بشكل كامل، ويعج بكثير من التحديات، لذا قد يكون تأجيل العام الدراسي الخيار الأنسب، لإتاحة الوقت الكافي للتجهيز والتحضير كما يجب”.
آراء متباينة
في خضم الظروف القاسية التي يمر بها لبنان، تتباين آراء العائلات بشأن قرار بدء العام الدراسي. تعبّر أم خليل، التي تعيش مع أطفالها الثلاثة في مركز إيواء، عن قلق عميق. وتتساءل: “كيف أستطيع أن أرسل أطفالي إلى المدرسة في هذا الوضع؟”. وقالت للجزيرة نت إن “التعليم مهم، لكن حياتهم أغلى من أي شيء آخر”.
من جانبها، وعلى النقيض من أم خليل، رأت أم حسن أن العودة إلى المدرسة قد تكون خطوة إيجابية تعيد بعض الأمل. وقالت إن “التعليم هو الطريق الوحيد الذي يضمن مستقبل أبنائي. نحن بحاجة لاستعادة الروتين والقدرة على التركيز على مستقبلهم”.
بينما اقترحت بعض العائلات التعليم عن بُعد ليكون حلا بديلا، مُشددين على ضرورة الحفاظ على التعليم في ظروف آمنة. وقال أبو علاء “نحن مع التعليم، لكن يجب أن تكون سلامة أطفالنا في المرتبة الأولى. نحتاج إلى حلول مرنة تساعدهم على التعلم، خاصة نحن الذين نزحنا من بيوتنا في الجنوب تحت قصفٍ مرعب، حيث رأينا الموت أمام أعيننا”.
في المقابل، يختلف أبو جواد في الرأي، مُستعرضا معاناة أولاده العام الماضي بسبب التعليم عن بُعد، خاصة في ظل ضعف شبكة الإنترنت وعدم قدرة الأطفال على التكيف. وأضاف بحسرة “نحن اليوم في أيام أصعب وأخطر من العام الماضي”.