Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

هل يسرّع الغاز الأميركي وتيرة تحول تركيا لمركز إقليمي للطاقة؟

إسطنبول – تشهد تركيا تحولاً ملحوظاً في استراتيجيتها الطاقية، حيث تتجه نحو الاستثمار المباشر في حقول النفط والغاز الأمريكية، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال المستورد، خاصةً من روسيا. يأتي هذا التوجه في ظل سعي أنقرة لتصبح مركزاً إقليمياً لتجارة الغاز، يربط بين المنتجين والمستهلكين.

أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، على هامش القمة العالمية للغاز الطبيعي المسال في إسطنبول، عن دخول شركة البترول التركية في مفاوضات متقدمة مع شركات أمريكية كبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل، بهدف الاستحواذ على حصص في مشاريع التنقيب والإنتاج. تهدف هذه الخطوة إلى بناء سلسلة قيمة متكاملة في قطاع الغاز، تبدأ من الإنتاج في الولايات المتحدة وتنتهي بتلبية الطلب المحلي، مما يعزز أمن الإمدادات ويحمي تركيا من تقلبات الأسعار.

التوجه التركي نحو الغاز الأميركي

يعتبر هذا التحول خطوة نوعية في الشراكة الطاقية بين أنقرة وواشنطن. فقد أصبحت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة مورداً مهماً للغاز طويل الأجل لتركيا. وقد عززت أنقرة هذا الاتجاه من خلال عقود تجاوزت 150 مليار متر مكعب منذ نهاية عام 2024، مع بدء التوريد الفعلي المتوقع بين عامي 2027 و2030. وارتفعت حصة الولايات المتحدة لتصبح رابع أكبر مورد للغاز إلى تركيا في عام 2025، حيث بلغت 5.5 مليار متر مكعب، أي ما يمثل حوالي 14% من إجمالي واردات الغاز.

وفقاً لبيرقدار، أصبح الغاز الأميركي أكثر تنافسية من الغاز القادم عبر خطوط الأنابيب من روسيا وإيران، مما شجع تركيا على زيادة حصته في مزيج الطاقة الوطني. وتشير بيانات بلومبيرغ إلى أن واردات تركيا من الغاز المسال بلغت 5.2 مليون طن منذ بداية عام 2025، مقارنة بـ 3.98 مليون طن خلال عام 2024 بأكمله.

تراجع الاعتماد على الغاز الروسي

بالتوازي مع هذا التحول، انخفض اعتماد تركيا على الغاز الروسي إلى أقل من 40%، بعد أن كان يتجاوز 50% قبل سنوات. وقد تم تمديد عقود استيراد الغاز الروسي بكمية 22 مليار متر مكعب لمدة عام واحد فقط. كما تواصل أنقرة مفاوضاتها مع طهران لتجديد عقد توريد يبلغ 10 مليارات متر مكعب، والذي سينتهي في منتصف عام 2026، بالإضافة إلى بحث إمكانية زيادة كميات الغاز التركماني التي تمر عبر الأراضي الإيرانية.

وفي هذا السياق، أبرمت تركيا اتفاقاً قصير الأجل لاستيراد 1.3 مليار متر مكعب من تركمانستان عبر إيران، وقد تم توريد نصف هذه الكمية حتى الآن. تستعد تركيا أيضاً لاستقبال 1500 شحنة من الغاز الأميركي خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، بموجب عقود مرتبطة بمؤشر “هنري هب” الأميركي، مما يعزز استقرار الأسعار على المدى الطويل.

تعاون إقليمي مع المغرب ومصر

لا يقتصر طموح تركيا على السوق الأمريكية، بل تسعى أيضاً إلى تعزيز تعاونها الإقليمي في قطاع الغاز، بهدف التحول إلى مركز إقليمي للطاقة. وتعمل أنقرة على توسيع قدراتها التشغيلية من خلال إضافة وحدتين عائمتين جديدتين للتخزين وإعادة التغييز، ليصل عدد المرافق التركية القادرة على استقبال الغاز المسال إلى خمسة.

بفضل هذه التوسعة، ترتفع القدرة الاستيعابية لتركيا إلى ما يتجاوز 50 مليار متر مكعب سنوياً، مما يتيح لها فائضاً تشغيلياً يمكنها من تقديم خدمات طاقة لدول أخرى. تخطط أنقرة لإرسال إحدى وحداتها العائمة إلى مصر خلال أشهر الصيف لمساعدة القاهرة في تغطية العجز الموسمي للغاز خلال ذروة استهلاك الكهرباء. كما تجري مباحثات مع المغرب لترتيبات مماثلة تسمح للرباط باستئجار وحدة تركية لإعادة التغييز، لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الغاز.

فرص ومخاطر

يرى المحلل الاقتصادي شكري جوفان أن توسع تركيا في عقود الغاز الأميركي يحمل فرصاً ومخاطر. قد يزيد الضغط على ميزان المدفوعات في المدى القصير بسبب ارتفاع فاتورة الاستيراد وربط التسعير بالدولار، ولكنه يتيح في المقابل بناء آلية تحوط من خلال الاستثمارات المباشرة في قطاع الإنتاج الأميركي. ويضيف جوفان أن نجاح تركيا في ترسيخ نفسها كمركز تجاري للغاز قد يحول جزءاً من وارداتها إلى إيرادات خدمات وعبور، مما يخفف من العجز الجاري.

ومع ذلك، يحذر جوفان من أن الاعتماد المتزايد على العقود المسعرة بالدولار قد يزيد من حساسية الاقتصاد لتقلبات سعر الصرف، مما يتطلب إدارة اقتصادية أكثر حذراً. إذا نجحت أنقرة في ترسيخ نفسها كمركز إقليمي للغاز، فإنها ستنتقل من موقع المستهلك المعرض للصدمات إلى موقع الوسيط القادر على التفاوض وتعديل مزيج الإمدادات وفقاً لتطورات السوق.

تعتبر تركيا نفسها في موقع استراتيجي لتعزيز أمن الطاقة الإقليمي، ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة تحديات تقنية وتنظيمية وجيوسياسية. من المتوقع الإعلان عن أولى الاتفاقيات الاستثمارية مع الشركات الأمريكية خلال الأسابيع القادمة، وسيكون من المهم مراقبة تأثير هذه الاتفاقيات على ميزان الطاقة التركي وعلاقاتها مع كل من روسيا وإيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى