هل ينسحب “الانتقالي” من حضرموت والمهرة استجابة للضغوط الدولية؟

تمثل السيطرة العسكرية المفاجئة التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن تطوراً خطيراً يهدد بدفع البلاد نحو مزيد من النزاع المسلح وتعميق حالة التشظي السياسي والأمني. وقد أثارت هذه الخطوة، التي تهدف إلى السيطرة على مفاصل القوة والثروة في المحافظتين، بما في ذلك الحقول النفطية والموانئ الإستراتيجية، قلقاً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي. هذا التطور يضع مستقبل اليمن على مفترق طرق حاسم.
وقد بدأت التوترات في منتصف نوفمبر الماضي بين قبائل حضرموت ومسلحين محسوبين على المجلس الانتقالي في منطقة غيل بنيامين، وسرعان ما تصاعدت لتتحول إلى سيطرة كاملة لقوات المجلس على الوادي، بما في ذلك مقر المنطقة العسكرية الأولى ومطار سيئون والقصر الجمهوري. تبع ذلك إعلان القيادة المحلية للمجلس في المهرة عن سيطرتها على المواقع العسكرية والأمنية والمرافق الحيوية في المحافظة. هذه السيطرة المفاجئة تثير تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة للمرحلة القادمة.
تداعيات سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت والمهرة
يرى الأستاذ المشارك في الدراسات الأمنية بجامعة قطر، الدكتور بكيل الزنداني، أن هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها للمجلس الانتقالي، وأنها تعيق جهود حل الملف اليمني. وأشار إلى أن التوجه نحو المناطق الآمنة المتبقية في اليمن، وهي المهرة وحضرموت، يحمل مخاطر كبيرة نظراً لقربها من سلطنة عمان والسعودية، واعتبارها عمقاً استراتيجياً لهما.
وأضاف الزنداني أن فرض أمر واقع خارج نطاق الإجماع لن تقبله السعودية بصفتها قائدة للتحالف، مع التأكيد على أن السعودية تتفهم وجود مظلوميات في الجنوب، لكنها تصر على حلها عبر الحوار. هذا الموقف السعودي يمثل عنصراً أساسياً في أي تقييم للمستقبل.
من جهته، وصف رئيس مركز المدار للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور صالح المطيري، الوضع اليمني بأنه حالة فريدة يتحول فيها الشركاء إلى خصوم. وأشار إلى أن ما حدث يمثل تمرداً من المجلس الانتقالي، رغم كونه جزءاً رئيسياً من الحكومة الشرعية وممثلاً بـ3 أعضاء في المجلس الرئاسي ونصف أعضاء الحكومة تقريباً.
ادعاءات المجلس الانتقالي ومصالح المملكة
وأوضح المطيري أن ادعاءات المجلس الانتقالي بمقاومة التهريب والإرهاب لا يمكن قبولها، مؤكداً أنه كان بإمكانه القيام بهذا الدور ضمن السلطة الشرعية دون اللجوء إلى العمل العسكري. وأكد أن أهمية اليمن بالنسبة للمملكة العربية السعودية تكمن في حدودها الممتدة لأكثر من 1200 كيلومتر ووجود أكثر من مليوني يمني في المملكة يمثلون مورداً رئيسياً لليمن.
وعلى صعيد آخر، لفت المحلل السياسي والباحث بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، حسن منيمنة، إلى وجود اعتبارات أميركية عامة وخاصة في التعامل مع الأزمة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في الاستقرار في اليمن ومواجهة إيران و”الإرهاب”، بالإضافة إلى اعتبارات الملاحة الدولية وموقع إسرائيل. هذه المصالح المتشابكة تجعل من الأزمة اليمنية قضية ذات أبعاد دولية.
وأشار منيمنة إلى أن المشكلة من وجهة نظر دولية هي أن الحكومة اليمنية الشرعية لا تبدو حكومة فاعلة بل كـ”حكومة قائم مقام”، تجمع أضداداً متفقة على مواجهة الحوثيين و”الإرهاب” لكنها مختلفة على التصور المستقبلي لليمن. هذا الغياب للرؤية الموحدة يعقد جهود التوصل إلى حل.
ردود الفعل الإقليمية والدولية على التطورات
في إطار الضغوط الإقليمية والدولية، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً اعتبر أن ما أقدم عليه المجلس دون تنسيق أدى إلى تصعيد غير مبرر أضر بمصالح الشعب اليمني وبجهود التحالف. وأعلنت السعودية عن إرسال فريق عسكري مشترك مع الإمارات لوضع ترتيبات تضمن عودة المجلس إلى مواقعه السابقة.
وبالمثل، أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه من التصعيد المستمر، مؤكداً أن التطورات الأخيرة لا تفضي إلى إحراز تقدم، في حين أكد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وبمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. هذه التصريحات تعكس إجماعاً دولياً على ضرورة التهدئة.
وفي المقابل، لم يصدر حتى الآن رد رسمي من المجلس الانتقالي على الضغوط المتصاعدة، وأشارت بعض الوكالات إلى رفضه للمطالب بالانسحاب. هذا الموقف المتصلب يزيد من تعقيد الوضع.
وحذر الزنداني من أن عدم معاقبة المجلس الانتقالي على سلوكياته السابقة هو ما أوصله إلى هذه المرحلة من التمادي، مؤكداً أن التسامح معه شجعه على الاستمرار. هذا يشير إلى الحاجة إلى موقف أكثر حزماً من قبل المجتمع الدولي.
ويرى المطيري أن المستفيد الأكبر من هذا التطور هو أنصار الله (الحوثيون) الذين يتفرجون على الاقتتال ويشمتون، مؤكداً أن عدم الاعتراف بالقضية الجنوبية من أي طرف يجب ألا يسمح بدغدغة مشاعر البسطاء بخطابات الدعوة إلى مظاهرات مليونية. هذا التحذير يسلط الضوء على المخاطر المحتملة لتصعيد التوترات.
واستبعد الزنداني احتمال تدخل القوى الدولية بشكل عسكري في اليمن، بيد أنه توقع ممارسة ضغوط مكثفة على المجلس الانتقالي لإجباره على التراجع عن خطوته، ضغوط ستأتي من السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية. المرحلة القادمة ستشهد على الأرجح مزيداً من الضغوط الدبلوماسية.
من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة مزيداً من المشاورات الإقليمية والدولية للتوصل إلى حل للأزمة. يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان المجلس الانتقالي سيتراجع عن سيطرته على حضرموت والمهرة، أم سيصر على موقفه، وما إذا كانت السعودية ستنجح في التوسط بين الأطراف المتنازعة. المستقبل السياسي لليمن لا يزال غامضاً، ويتوقف على مدى قدرة الأطراف المعنية على إيجاد حلول سياسية للأزمة.




