واشنطن ترصد 7 ملايين دولار للقبض على مصرفي من كوريا الشمالية

يطبق العالم عقوبات اقتصادية مشددة على كوريا الشمالية، لكن جهود قطع التمويل عن الدولة المنبوذة تواجه تحديات كبيرة. وكشفت تحقيقات حديثة عن شبكات مالية معقدة تستخدم غسل الأموال، والعملات المشفرة، والشركات الوهمية للتحايل على هذه العقوبات، مما يثير قلقًا دوليًا بشأن قدرة النظام على تمويل برامجه المحظورة.
ويكشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال تفاصيل إحدى هذه الشبكات، التي يقودها مصرفي كوري شمالي مطلوب دوليًا، ويُتهم بدور محوري في تمويل نظام كيم جونغ أون. وتُظهر الوثائق كيف يتم إدخال الأموال غير المشروعة إلى النظام المالي العالمي، على الرغم من الرقابة الصارمة.
قنوات تمويل سرية لبرامج كوريا الشمالية
تعتمد كوريا الشمالية على قنوات تمويل سرية ومتنوعة لتجاوز العقوبات الدولية. تشمل هذه القنوات استخدام العمالة الخارجية، والهجمات الإلكترونية لسرقة الأموال، بالإضافة إلى شبكات معقدة من الشركات الوهمية والمصرفيين الذين يعملون في الخفاء. وتشير التقديرات إلى أن هذه الأنشطة تدر مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
ويُدعى المصرفي الكوري الشمالي الذي يقف وراء هذه الشبكة سيم هيون سوب، وقد وصفته السلطات الأمريكية بأنه “أخطر العقول المالية” العاملة لصالح النظام. وقد رفع مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) مكافأة القبض عليه إلى 7 ملايين دولار.
ووفقًا لوزارة العدل الأمريكية، يبلغ سيم من العمر 42 عامًا ويتميز بطوله غير المعتاد بالنسبة لشخص كوري شمالي، حيث يبلغ طوله حوالي 186 سنتيمترًا. هذه التفاصيل ساعدت في تحديد هويته وتتبع أنشطته.
دور العملات المشفرة في غسل الأموال
تعتبر العملات المشفرة أداة رئيسية في عمليات غسل الأموال التي تقوم بها كوريا الشمالية. يستخدم سيم شبكة معقدة من المحافظ الرقمية والوسطاء الماليين لتحويل العملات المشفرة إلى نقد، ثم إدخالها إلى النظام المصرفي الدولي. وتشير التحقيقات إلى أن هذه العمليات تتم عبر عدة دول، مما يجعل تتبعها أكثر صعوبة.
وتُظهر الوثائق أن بنوكًا أمريكية كبرى، مثل سيتي بنك وجيه بي مورغان وويلز فارغو، نفذت عن غير قصد 310 معاملات على الأقل مرتبطة بشبكة سيم، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 74 مليون دولار. هذا يكشف عن ثغرات في أنظمة الرقابة المصرفية، واستغلال النظام من قبل كوريا الشمالية.
صلات محتملة مع إيران
أثارت التحقيقات تساؤلات حول وجود صلات مالية محتملة بين شبكات كوريا الشمالية وإيران. تتبعت شركة (تي آر إم) تحويلات من محفظة يسيطر عليها سيم إلى محفظة نُسبت لاحقًا إلى الحرس الثوري الإيراني. هذا يشير إلى احتمال تبادل العملات المشفرة مقابل النفط أو الخدمات بين الدولتين الخاضعتين للعقوبات.
وتشير التقارير إلى أن هذه الصلات قد تساعد كوريا الشمالية وإيران على تجاوز العقوبات الدولية، وتعزيز اقتصاداتهما. ومع ذلك، لا تزال هذه المعلومات قيد التحقق، وتتطلب المزيد من التحقيقات لتأكيدها.
الأنشطة الإجرامية الأخرى
لا يقتصر دور سيم على غسل الأموال فحسب، بل يشمل أيضًا تمويل مشتريات إستراتيجية للنظام الكوري الشمالي. وتتهمه لوائح الاتهام باستخدام الأموال التي يديرها لشراء معدات اتصالات وطائرة مروحية. كما يُزعم أنه دفع أكثر من 800 ألف دولار نقدًا لشراء تبغ، بهدف مساعدة كوريا الشمالية على تصنيع سجائر مقلدة.
وتنتج كوريا الشمالية ملايين العلب من السجائر المقلدة التي تحمل علامات تجارية عالمية، وتبيعها في دول آسيوية. وتعتمد هذه الصناعة على شبكات خارجية لشراء التبغ الخام، مما يشكل انتهاكًا صريحًا للعقوبات الدولية.
في نوفمبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 8 أفراد وكيانين متورطين في مخططات كورية شمالية لغسل الأموال. تهدف هذه الخطوة إلى قطع التمويل عن برامج الأسلحة في كوريا الشمالية. ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغط على كوريا الشمالية وإيران، وتشديد العقوبات لتقويض قدرتهما على تمويل الأنشطة المحظورة.
تتجه الأنظار الآن نحو بكين، حيث يُعتقد أن سيم قد انتقل إلى مدينة داندونغ الصينية. غياب اتفاقية لتسليم المطلوبين بين الصين والولايات المتحدة، وموقف بكين الرافض للعقوبات الأمريكية الأحادية، قد يعيق جهود القبض عليه. ومن المهم مراقبة تطورات هذا الملف، وتقييم فعالية العقوبات الدولية في منع كوريا الشمالية من الحصول على التمويل اللازم لبرامجها النووية والصاروخية.





