واشنطن تفتح تحقيقا بحق “بي بي سي” ووسيلتين إعلاميتين أميركيتين

أكدت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنها تتلقى تدقيقاً قانونياً من قبل لجنة الاتصالات الفدرالية الأمريكية (FCC) بشأن مزاعم بتلاعب بمواد فيديو في تقرير إخباري. يتعلق الأمر تحديداً بتحرير خطاب للرئيس السابق دونالد ترامب، مما أثار جدلاً واسعاً حول التضليل الإخباري وتأثيره على الرأي العام. وتأتي هذه التحقيقات في وقت تزداد فيه الضغوط على وسائل الإعلام لضمان دقة وموضوعية التقارير.
أرسل رئيس لجنة الاتصالات الفدرالية، بريندان كار، رسالة إلى مسؤولي بي بي سي وشبكتين تلفزيونيتين أمريكيتين لاستفسار عن بث حلقة من برنامج “بانوراما” الإخباري. ووفقاً للرسالة، تضمنت الحلقة دمجاً لمقاطع من خطاب ترامب في 6 يناير 2021، بطريقة أعطت انطباعاً خاطئاً بأنه حرض أنصاره بشكل مباشر على مهاجمة مبنى الكابيتول.
التحقيق في التضليل الإخباري: التفاصيل والإجراءات
تتركز المخاوف الرئيسية لدى لجنة الاتصالات الفدرالية حول إمكانية وصول هذا المحتوى المُحرَّر إلى الجمهور الأمريكي. وأشار كار إلى أن بي بي سي لديها شراكات توزيع مع محطات أمريكية مثل PBS و NPR، وسأل عما إذا كانت هذه المحطات قد قامت ببث الفيديو أو الصوت المُعدَّل. ويعتبر بث معلومات كاذبة أو مُضللة انتهاكاً للوائح البث الأمريكية.
في رسالته، صرّح كار أن برنامج بي بي سي يظهر أن الرئيس ترامب قال جملة لم ينطق بها فعلياً، مما قد يشكل “تصريحًا كاذبًا ومتحيزًا إلى حد كبير”. على الرغم من اعتذار بي بي سي اللاحق، وتقييمها بأن البرنامج أحدث “تأثيرًا زائفًا”، إلا أن اللجنة لا تزال قلقة بشأن المخالفات المحتملة.
ردود الفعل والاستقالات
أكدت هيئة الإذاعة البريطانية استلامها للرسالة، لكنها لم تُدلِ بأي تعليق إضافي في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن هذه القضية تسببت في اضطراب كبير داخل بي بي سي، وأدت إلى استقالة كل من المدير العام، وتيم ديفي، ورئيسة قسم الأخبار، هالِة غابرييل.
وقدّم رئيس مجلس إدارة بي بي سي، سمير شاه، اعتذارًا شخصيًا للرئيس ترامب، لكن الأخير هدد برفع دعوى قضائية ضد الهيئة بتهمة التشهير، ومطالبتها بتعويضات تصل إلى 5 مليارات دولار. رفضت بي بي سي هذه التهم، مؤكدةً التزامها بالمعايير الصحافية المهنية.
الخلفية: بي بي سي والجدل حول الحياد
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها بي بي سي اتهامات بالتحيز أو التضليل. فلطالما كانت الهيئة هدفًا لانتقادات من مختلف الأطراف السياسية، سواء في المملكة المتحدة أو في الولايات المتحدة. تُتهم أحياناً بتبني وجهات نظر ليبرالية أو يسارية، بينما يرى آخرون أنها متحيزة لليمين.
إضافة إلى ذلك، تتزايد أهمية التحقق من الحقائق وشفافية وسائل الإعلام في العصر الرقمي، حيث تنتشر المعلومات المضللة بسرعة وسهولة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتواجه وسائل الإعلام التقليدية تحديات كبيرة في الحفاظ على مصداقيتها وثقة الجمهور.
تداعيات القضية وآفاق مستقبلية
النقاش حول المسؤولية الإعلامية والحدود الفاصلة بين التحرير الإخباري والتلاعب بالمعلومات يكتسب زخماً كبيراً. تسلط هذه القضية الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية في الحفاظ على الحياد والدقة في التقارير، خاصةً في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد.
من المتوقع أن تواصل لجنة الاتصالات الفدرالية تحقيقاتها في هذه المسألة، وقد تفرض عقوبات على بي بي سي إذا ثبت ارتكابها مخالفات. من المرجح أيضاً أن تؤدي هذه القضية إلى مراجعة داخلية في بي بي سي لعمليات التحرير والإنتاج لضمان الالتزام بالمعايير الصحافية. تبقى مصداقية بي بي سي في الولايات المتحدة، وعلاقاتها مع شبكات البث الأمريكية، عوامل رئيسية يجب مراقبتها في الأشهر القادمة.




