القدوة لأطفالنا
يبدأ الطفل أولى خطواته في هذا العالم ويتأثر بالمحيط من حوله، وجملة من المؤثرات الداخلية والخارجية تحدد شخصيته، فالطفل يعيش في وسط اجتماعي متعدد منذ بدايته، يتأثر بوالديه وعائلاته ومحيطه الداخلي فتتأثر حياته ونفسيته وتتشكل هويته من خلالهم.
وأثبتت التجارب والدراسات أن الكثير من السلوكيات والمعارف والخبرات التي يتبناها الكبار إنما كانت نتيجة ما كانوا يتلقونه وهم أطفال ويتأثرون به في حياتهم الأسرية والمدرسة والأهل والمحيط الذي يعيشون فيه، لذلك فإن كل ما يصدر من سلوك وتصرفات نأخذه من محيطنا ومن دون أن نسأل ما إذا كانت هذه البرمجة مفيدة لنا ويمكن لها أن تساعدنا في النمو أو التقدم في حياة أفضل أم لا، وأسوق لكم مثالاً ربما يوجد في أغلبية بيوتنا وهو عندما نطهو السمك فإن أغلبية الأمهات تقوم بقطع الرأس والذيل، فإذا فكرت وسألت والدتك سوف تخبرك بأن هذه الطريقة أخذتها من والدتها وجدتها وهكذا دون أن تسألها عن السبب، ولكنني مع البحث والتقصي وسؤال والدتي قالت لي إن الموضوع ليس سراً بل إن أمها أخبرتها أن الوعاء الذي كانت تقطع فيه السمك صغير ولا يكفي لحجم الأسماك التي كانت تطبخها، لذلك أحياناً كانت تضطر لقص الذيل أو الرأس في بعض الأحيان.
هذه القصة وغيرها من السلوكيات التي ربما أخذناها من الأهل والأسر لم نسأل أنفسنا عن مصدرها، بل الكثير من العادات والتقاليد والسلوكيات التي تقام على مستوى العالم هي عبارة عن تقليد من عائلاتنا ورغم العلم والثقافة والتطور ولكنها ظلت محل تقديس لدى البعض منا، لذلك أحياناً لا نكلف أنفسنا السؤال عن مصدر المعلومة تلك ولماذا نعتمدها في حياتنا؟ بل هناك عادات وسلوكيات قد نستغرب منها أحياناً ولا نجد لها تفسيراً، حيث قال الكاتب والباحث فيليب زيمباردو في كتابه ضروريات علم النفس والخبرة: «نحن نتعلم في صغرنا القواعد العامة للحياة وطرق السلوك من نماذج الكبار المحيطين بنا».
إن الأطفال يراقبون سلوكيات الكبار، ويتعلمون ويتذكرون ويقلدون سلوك الكبار، لذلك ما يجده الطفل من رعاية واهتمام من أسرته سوف يسهم في استقراره النفسي ويمنحه الحب والحنان الأمان والاستقرار، ومن خلال نفس الأسرة يستطيع أن يتعلم الخطأ والصواب، فيصبح لديه وعي بتلك الأفعال والممارسات الخاطئة، لذلك يجب ألّا ننسى أن القدوة في حياة أطفالنا يجب أن تكون على درجة عالية من المصداقية والاحترام، وإن وجد الطفل القدوة الصالحة في المنزل سوف يكبر على احترامها وتعلم مبادئ الحياة الصحية منها وأبرزها العطاء والتسامح واحترام الكبير وتقدير الحياة.
يحتاج الطفل لإقامة الصداقات وكيفية التعامل مع المحيط الخارجي وهذا ما يتعلمه من المدرسة والأقران، كما يتعلم الطفل من أقرب الناس فيلتقط منهم كل شيء ويقوم بالبناء عليه وهذا يؤشر لأهمية القدوة في حياة الطفل، لذلك يجب أن نقف مع أطفالنا ونكون لهم القدوة والنموذج الأمثل حتى لا يقتادوا خلف تلك المنصات الاجتماعية التي قد تخلق منهم نسخاً مكررة ومتشابهة.