وزير الزراعة السوري للجزيرة نت: نسعى لزيادة حصتنا من دجلة والفرات
دمشق- لم يخف وزير الزراعة والاستصلاح الزراعي في حكومة تصريف الأعمال السورية محمد طه الأحمد رغبته الشديدة في إصلاح ومعالجة الكثير من الملفات التي شكلت الأسباب الأساسية لانهيار القطاع الزراعي في سوريا إبان عهد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
ويقول الوزير الأحمد إنه وجد شبه وزارة تدعى وزارة الزراعة، قائمة على خراب إداري ينخرها فساد مالي ووظائفي أوصل الفلّاح السوري لأن يعتزل الزراعة وتربية الحيوانات المنتجة ويرحل عن أرضه ليجد لنفسه وأسرته مصدر دخل آخر يغنيه عن الجوع.
الأحمد في حديثه للجزيرة نت كشف إقصاء عدد كبير من الموظفين العاملين على قوة وزارة الزراعة، مشيرا إلى عدة طرق ملتوية كانت سببا وراء توظيفهم، مستبعدا أن يكون الإقصاء لأهداف دينية أو طائفية أو مناطقية.
وأكد أن إدارته وضعت خططا منهجية ستحقق الاكتفاء الذاتي لسوريا من المحاصيل الزراعية، والقمح على رأس أولوياتها خلال عام واحد فقط، منوها إلى ضرورة إدراك أن أساليب الزراعة قد تغيرت وأدواتها تطورت وهذا يتطلب وعيا وتفهما للمرحلة الجديدة.
ويدرك الوزير السوري تماما مدى صعوبة المهمة وتحدياتها الكبيرة خاصة المائية منها، وكشف عن رغبة بلاده في زيادة حصتها من مياه نهري دجلة والفرات وسط تفاهمات ومناقشات مع الجانب التركي الذي أبدى على حد قوله مرونة وتفهما لهذا المطلب.
وتعهد الأحمد بتقديم كل الدعم للفلاحين بخفض أسعار البذور والأسمدة وتخفيف أعباء المناخ والسماح بالمنافسة، الأمر الذي سيمنح الفلاّح قدرة على الاستمرارية والإنتاجية الكبيرة، مدافعا في الوقت ذاته عن قرار رفع الدعم عن المزارعين مقابل تحرير الأسعار معتبرا إياه قرارا صائبا لأسباب عديدة.
وفيما يأتي نص الحوار:
-
بداية ما رؤيتكم الحالية لإنعاش قطاع الزراعة والنهوض به في سوريا؟
القطاع الزراعي في سوريا كبير ومتنوع، وحتى ينهض هذا القطاع بداية علينا أن نقنع المزارع السوري أن يعود إلى أرضه، فهو الآن بعيد عن مجال الزراعة لأنه لا يمتلك المدخرات التي تمكنه من إعادة بناء البنى التحتية التي فقدها نتيجة الحرب، وتعدي المجرمين التابعين لنظام الأسد “الساقط” وجيشه على المحاصيل الزراعية بغير حق، هذا عدا عن الفقر الذي عاناه الفلاح السوري نتيجة النزوح أو التهجير.
سنركز بشكل كبير على عودة المزارعين وتقديم الدعم اللازم لهم حتى يتمكنوا من زراعة أراضيهم، فقد تواصلنا مع الفلاحين، ووقفنا على أبرز المشاكل التي يعانون منها ونحاول الآن إيجاد الحلول المناسبة لها، مثل صيانة البنى التحتية التي تعرضت إلى الأذى والتهديم والتخريب والسرقة خلال سنوات الحرب السابقة، وعلى رأسها مشاريع الري الحكومية، والخاصة لأن الزراعات المروية لها مساهمة كبيرة جدا في زيادة الإنتاج.
نسعى أيضا إلى تسهيل دخول أهم التقنيات الحديثة التي تستخدم في القطاع الزراعي من دول الجوار والدول الأخرى حتى يتم استخدامها من باب تحقيق كفاءة الإنتاج.
-
ما أبرز التحديات التي تواجهكم لتحقيق تطور ملحوظ في القطاع الزراعي السوري؟
أول تحد يواجهنا هو التحدي المالي، فهذه الإجراءات التطويرية تتطلب مليارات الدولارات، وأما التحدي الثاني فهي العقوبات الاقتصادية التي إن بقيت مطبقة على سوريا ستعيق دخول هذه التقنيات، وإن دخلت فستدخل بتكاليف عالية جدا مما سيزيد من تكاليف الإنتاج الزراعي، كذلك الوسائل الزراعية المستخدمة سابقا في عهد النظام “البائد” هي وسائل قديمة وغير صالحة وتحتاج إلى تبديلها بالكامل.
نحن اليوم بحاجة إلى سياسات زراعية حديثة وأموال كثيرة ومعدات متطورة.
-
هل تعتقد أن العقوبات على سوريا يمكن أن تُرفع خلال الفترة القادمة وما العوامل التي تعيق إزالتها؟
إذا نظرنا إلى سبب هذه العقوبات سنجد أنه أُزيل (بشار الأسد)، وعليه فيجب أن تُزال هذه العقوبات، ولكن لا نعرف سبب استمرار الجهات الدولية في إبقائها من دون أي مبرر، فسوريا عانت حقا ما عانته خلال الثورة، وقبل الثورة من ممارسات نظام الأسد التي حرمتنا الكثير من الامتيازات الدولية، وعلى رأسها الشراكات الأوروبية التي قطعت علاقتها مع دمشق بسبب السياسات غير المتزنة والعنجهية للأسد، ولكن الآن كل شي تغير وسياسة سوريا تحولت لسياسة انفتاحية على كل العالم، وعليه فنحن ندعو إلى رفع العقوبات في أسرع وقت ممكن.
-
كيف ستواجهون نقص العمالة الزراعية في سوريا وما الحوافز التي ستقدمونها لدعم هذه العمالة؟
حجم الموارد البشرية المتوفرة في سوريا كبير جدا وأغلبها غير عامل أو غير منتج أو غير مُستثمر، وهنا يمكن استثمار هذه الأعداد الهائلة في العمل الزراعي، بالإضافة إلى الأعداد غير القليلة من الفلاحين الموجودين في سوريا أصلا ويحتاجون فقط إلى الدعم.
ولكن حتى يصبح هذا الكادر البشري مؤهلا ليعمل بالقطاع الزراعي يجب أن يقدم له مجموعة من الخبرات والدورات التدريبية لتطوير مهاراته في هذا القطاع، خاصة وأن الخطة التي ننتهجها تستند إلى استخدام التقنيات الزراعية الحديثة التي تحتاج إلى نوع من العمالة البشرية ذات الكفاءة العالية، وبالتالي أعتقد أن التدريب وتطوير الكوادر هو أكبر حافز.
لن نعمل كما كانت تعمل وزارة الزراعة في نظام الأسد بتقديم الدعم سواء المادي أو العيني للفلاحين، فهذه كانت من أكبر أبواب الفساد، لأن البيانات التي كان يعتمد عليها في وضع خطط الدعم هي بيانات غير صحيحة.
مثال: مربٍّ أو فلاح لديه 10 رؤوس أبقار، كان يسجل لدى بيانات وزارة الزراعة، أن لديه 100 رأس من الأبقار، فيأخذ الفاسدون في الوزارة الدعم المقدم باسم 100 رأس ويعطون المربي الفتات، ويبيعون الباقي في الأسواق الحرة ليفتحوا بذلك أبواب الفساد مشرعة لسرقة ونهب المال العام.
سنقدم كل الدعم للفلاحين بطريقة منهجية ومدروسة بتخفيض أسعار البذور والأسمدة وتخفيف أعباء المناخ والسماح بالمنافسة بين الشركات والقطاعات، الأمر الذي سيمنح الفلاح قدرة على الاستمرارية والإنتاجية الكبيرة.
-
هل لديكم خطط لإعادة صياغة الاتفاقيات الدولية مع دول الجوار فيما يخص الأنهار الرئيسية في سوريا وحصصكم المائية منها؟
في ظل ظروف تغير المناخ والحرب الطويلة التي خاضتها سوريا، نحن أمام تحديات مائية كبيرة، فلدينا 3 أنهر مشتركة مع دول الجوار وهي نهر الفرات ونهر دجله ونهر العاصي، وهذه الأنهر الثلاثة تعتمد عليهم سوريا بشكل كبير في الزراعة والري والشرب.
وعلى إثر ذلك كان لدي اجتماع مع السفير التركي في سوريا وناقشنا هذا الأمر، وتم إبلاغنا بعقد اجتماعات مستمرة خلال الفترة القادمة مع وزارة الزراعة التركية لمناقشة إعادة صياغة الاتفاقيات المائية بين سوريا وتركيا.
وقبل ذلك تحدثت أيضا في اجتماعات سابقة مع ممثلي وزارة الزراعة التركية عن هذا الموضوع المهم، وأبدوا استعدادا وتفهما كبيرا لإعادة صياغة هذه الاتفاقيات بحيث تضمن سوريا الحصول على حصتها المائية الحقيقية كاملة.
-
وماذا عن العراق؟
العراق إحدى الدول التي سيكون لديها دور كبير في هذا المجال، لكن لم يتم التواصل معهم لأن التمثيل الدبلوماسي بيننا لم يكتمل بعد.
-
هل تظنون أن حصة سوريا ستزيد من نهر الفرات ودجله بعد إعادة صياغة الاتفاقيات المائية الدولية؟
طبعا.. نحن نسعى أن تزيد حصة سوريا من مياه نهري دجلة والفرات، خاصة أن تركيا خلال الفترة السابقة أقامت مجموعة من السدود على هذين النهرين، والآن علينا إعادة دراسة الوضع القائم في ظل الدولة الجديدة وسقوط دولة الأسد المخلوع.
سنقدم كل الدعم للفلاحين بطريقة منهجية ومدروسة بتخفيض أسعار البذور والأسمدة وتخفيف أعباء المناخ والسماح بالمنافسة
-
هل لديكم خطط لتنفيذ عمليات استمطار حديثة؟
نعم مشروع الاستمطار مهم جدا بالنسبة لنا، وقمنا فعلا برفع دراسة جديدة أرسلت إلى مكتب الدراسات المختص في هذا الشأن حتى يتم تدقيقها فنيا وماليا، وخاصة بعد نقل ملف الأرصاد الجوية الى وزارة الزراعة.
-
برأيك كم تحتاج سوريا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية خاصة القمح؟
سنة على أكثر تقدير وذلك لعدة أسباب:
- قمنا بزيادة المساحات المزروعة في كل سوريا خلال الفترة الماضية.
- إلغاء القيود التي كانت تعرقل عمل الفلاحين مثل الارتفاع الجنوني لأسعار البذور والسماد.
- التعامل مع الفلاحين بعقود آجلة بعكس ما كان يفعل النظام الذي كان يفرض على الفلاحين الدفع المسبق (كاش) قبل الحصول على البذور.
إن سوريا بحاجة إلى 3 ملايين طن من القمح سنويا حتى نحقق الاكتفاء الذاتي، ونحن بما وضعناه من خطط ودراسات قادرون بعون الله على تحقيق أمننا الغذائي من القمح وغيره من المحاصيل الزراعية في عام واحد بشرط عودة المنطقة الشرقية (دير الزور والرقة) من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ونحن عازمون على عودة هذه المناطق بكل ما نملك ولن نقبل بأي فدرالية أو أي شكل سياسي أو عسكري آخر.
-
هل تعتقدون أن قرار رفع الدعم عن المزارعين مقابل تحرير الأسعار قرار صائب ولماذا؟
نعم بكل تأكيد كان قرارا صائبا.. والسبب أن الدعم كان أحد أبواب الفساد وعدم وصول الدعم لمستحقيه، وبسبب تحكم بعض الجهات النافذة في الدولة في توزيع هذه المواد التي تعتبر مواد شبه مجانية، حيث مكن الدعم المتنفذين في دولة الأسد من بيع المواد المدعومة في الأسواق بأسعار مرتفعة وحرمان الفلاحين منها.
إن إزالة الدعم وتحرير الأسعار سيكون مقترنا بدراسة أسعار المنتجات التي ستطرح في الأسواق بناء على تكاليف الإنتاج، وذلك من خلال:
- حماية المنتج المحلي من خلال عدم السماح بدخول المنتجات الزراعية من الخارج إذا كانت مشابهة للمنتجات المحلية.
- خفض تكاليف الإنتاج من خلال الحصول على أفضل مستلزمات الإنتاج بأقل الأسعار.
- القضاء على الشركات التي كانت تتحكم سابقا بالقطاع الزراعي في سوريا.
سوريا بحاجة إلى 3 ملايين طن من القمح سنويا حتى نحقق الاكتفاء الذاتي
-
عندما تم تكليفكم وزيرًا للزراعة وبدأ عملكم اليومي في هذا الوزارة المهمة كيف وجدتم حال الوزارة بعد سقوط النظام؟
خراب مؤسسي كامل الأركان، شبه وزارة وليست وزارة، أدوات قديمة معدات متهالكة لا منهجية واضحة في العمل ولا دراسات علمية للتطوير.
وسأعطيكم مثالا صغيرا على هذا الخراب.
في إحدى زياراتي لإحدى الوحدات الزراعية وجدتها تتألف من 4 غرف فقط، ولكن مسجل على قوتها 143 موظفا، أما الذين يعملون بشكل فعلي فهم 7 موظفين فقط يأتون لإجراء بعض المراسلات ويوقعون على البريد ويرحلون.
كما كان هناك مشروع سابق اسمه “مشروع السولار” لمسح الموارد الطبيعية، تغنّى به كثيرا العاملون السابقون، فتشجعت أن أذهب لهذا المشروع وأرى إلى أين وصلوا بعملية المسح الجغرافي أو مسح الموارد الطبيعية، وللأسف رأيت أن الأدوات التي يعملون بها متهالكة وقديمة وتقريبا لا تعمل بالأساس.
وغيرها الكثير من الأمثلة التي تدل على مدى الخراب المؤسسي التي تعيشه وزارة الزراعة في عهد الأسد.
-
كيف تعاملتم مع الإصلاح الإداري داخل وزارتكم وهل تم إقصاء أي موظف لأسباب سياسية؟
بداية أول إصلاح قمنا به هو تعديل الهيكليات المعمول بها لأنها كانت هيكليات “تُضيع الصلاحيات”، بمعنى أن أي خلل يحدث في القطاع الزراعي لا يمكنك أن تحدد الجهة التي تسببت في هذا الخلل، وعليه قمنا بإعداد هيكلية جديدة فصَلنا بها بين الصلاحيات من خلال إعادة صياغة النظام الداخلي الناظم لهذه العمليات، بحيث حددنا لكل جهة صلاحياتها وواجباتها التي تكمل الجهات الأخرى بطريقة سلسلة ومتقنة.
ومن ثم تم تغيير المدراء العامين للمؤسسات والهيئات ومديرات الإدارة والمدراء الفرعيين وتم اختيار بدلائهم على أساس الكفاءة الفنية بغض النظر عن التبعية الدينية أو المذهبية أو المناطقية.
كانت التوجيهات التي أبلغتها لكل الإدارات، أن البقاء فقط لمن يتصفون بالكفاءة والأخلاق والالتزام.
أما عن قضية الإقصاء فسوف أكون صريحا معك.. نعم تم إقصاء جميع العاملين الذين شكلوا ترهلا وفائضا وظيفيا في وزارة الزراعة وأيضا تم إقصاء مجموعة من العاملين الذين تم تعيينهم بمسابقات خاصة بحزب البعث العربي الاشتراكي، والمسابقات الخاصة التي كانت تنظمها قوات جيش نظام الأسد، حيث اكتشفنا أن نسبة 37% منهم لا يحملون حتى شهادة الصف التاسع الإعدادي، وهذا فساد إداري لا يمكن تجاوزه فهذه أموال الشعب السوري.
وهنا يجب التنويه بأن الإقصاء لم يكن لأي أسباب دينية أو مذهبية أو مناطقية كما يدعي البعض، وإنما بحسب الكفاءة فقط.
-
إلى أين يريد الوزير محمد طه الأحمد أن يصل بالقطاع الزراعي في سوريا كمورد اقتصادي؟
أريد أن أصل بالقطاع الزراعي لأن يكون المورد الاقتصادي الأول في سوريا وأن يكون المنتج الزراعي السوري الأفضل في المنطقة بكل المقاييس.. ونحن بكل ما نملكه من إمكانيات قادرون على تحقيق هذا الطموح المشروع لأبناء شعبنا الكريم.