20 دولة تعيش على الدولرة بينها دولتان عربيتان

في عالم تتقلب فيه العملات المحلية وتتزايد فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية، اختارت بعض الدول أن تتخلى عن عملتها الوطنية طوعا أو كرها وتتبنى الدولار الأميركي كعملة رسمية أو شبه رسمية. يُعد هذا التحول جزءا من ظاهرة أوسع تعرف بـ”الدولرة”، حيث تعتمد الدول العملة الأميركية في معاملاتها اليومية أو احتياطياتها الرسمية.
يعيش ملايين البشر من الإكوادور في أميركا اللاتينية إلى لبنان والصومال على إيقاع “الأخضر” الأميركي، في مشهد يعكس مدى النفوذ المالي للولايات المتحدة. الدولار لا يلعب دورا مركزيا في الاقتصاد العالمي فحسب، بل أصبح أيضا أداة قوة اقتصادية وسياسية بيد واشنطن.
قوة الدولار
الدولار الأميركي هو العصب المحرك للاقتصاد العالمي، يتغلغل بعمق في شرايين التجارة الدولية والأسواق المالية والنظام النقدي العالمي. قيمة الدولار لا تقتصر على كونه عملة وطنية للولايات المتحدة، بل تمتد لتشكل معيارا لتسعير السلع الأساسية كالنفط والذهب، ومقياسا لثقة المستثمرين واستقرار الاقتصادات حول العالم.
قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تنعكس بشكل مباشر على تدفقات رؤوس الأموال وأسعار الفائدة والتضخم والنمو في مختلف الدول. هذا النفوذ يجعل السياسة النقدية الأميركية ذات تأثير عابر للحدود، وفقا لمنصة “أوكس جورنال”. جعل هذا النفوذ من الدولار أداة قوة اقتصادية وجيوسياسية بيد واشنطن.
أثر الدولار على الاقتصاد العالمي
الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية الأولى والرائدة على مستوى العالم. يستحوذ على النصيب الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية. وفقا لصندوق النقد الدولي، شكل الدولار نحو 56.32% من إجمالي الاحتياطيات العالمية بنهاية الربع الثاني من عام 2025.
يؤثر الدولار بشكل كبير على الأسواق المالية الدولية. يؤدي تأثیره الهائل إلى توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة. غالبا ما تؤدي “دولرة” الاقتصاد إلى زيادة توافقه مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة.
استخدام الدولار في التفاعلات المالية العالمية يظهر في عدة مجالات، منها: التجارة والمعاملات الدولية، حيث يُستخدم الدولار في جزء كبير من عمليات التجارة العالمية؛ القروض والاعتمادات الدولية، حيث تُقوم نسبة كبيرة من القروض بالدولار الأميركي؛ تسعير السلع، حيث تُسعر معظم السلع الإستراتيجية بالدولار؛ عملة الاستثمار والادخار، حيث يُعد الدولار العملة المفضلة للاستثمار والاحتفاظ بالقيمة؛ وأسعار الصرف والتوازن الاقتصادي، حيث تؤثر قيمة الدولار بصورة جوهرية على أسعار الصرف العالمية.
مزايا الدولرة
تتمتع الدولرة بعدد من المزايا الاقتصادية والمالية المهمة، خاصة بالنسبة للدول الصغيرة أو الأقل نموا. من أبرز هذه المزايا: تعزيز الاستقرار النقدي، حيث تتيح الدولرة للدول الصغيرة والأقل نموا التعامل بعملة قوية وذات اعتراف دولي واسع؛ جذب الاستثمارات الدولية، حيث تسهم الدولرة في تشجيع الشركات العالمية على إنشاء مكاتب وفروع محلية؛ رفع المكانة الاقتصادية للدول النامية، حيث يمكن للدولة النامية أن تصبح لاعبا اقتصاديا أكثر تأثيرا؛ تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث توفر الدولرة ثقة أكبر للمستثمرين الأفراد والشركات؛ وتقليل المخاطر المالية للشركات، حيث تُمكن الدولرة الشركات من تحقيق دخل ثابت ومستقر بعملة قوية.
مخاطر الدولرة
رغم ما تحققه الدولرة من مزايا اقتصادية، فإنها تنطوي على مخاطر جوهرية قد تؤثر سلبا على سيادة الدول واستقرارها المالي. من أبرز هذه المخاطر: فقدان الاستقلال النقدي، حيث تؤدي الدولرة إلى تخلي الدولة عن سيطرتها على سياستها النقدية؛ الارتباط السياسي والاقتصادي بدولة العملة، حيث يمكن أن تقع الدولة في أزمة اقتصادية خطيرة في حال نشوب توتر سياسي أو دبلوماسي؛ مخاطر الحظر أو القيود المفروضة على العملة الأجنبية، حيث يمكن أن تقرر الدولة المُصدرة للعملة منع استخدامها أو فرض قيود عليها؛ هشاشة البنية الاقتصادية المحلية، حيث قد يؤدي الاعتماد المفرط على عملة أجنبية إلى تراجع الثقة في النظام المالي المحلي؛ وانسحاب الشركات متعددة الجنسيات، حيث قد تتجه الشركات الأجنبية إلى مغادرة الدولة النامية إذا تغيرت الظروف.
ختاما، تُعد الدولرة خيارا اقتصاديا معقدا يحمل في طياته مزيجا من الفرص والمخاطر. على الدول التي تفكر في تبني الدولرة الجزئية أو الكاملة دراسة مخاطرها بعناية فائقة، وموازنة مكاسب الاستقرار النقدي المحتمل مقابل فقدان السيطرة على السياسة المالية والنقدية الوطنية.





