تحقيق: فيلق أفريقيا الروسي متهم بالاغتصاب وقطع رؤوس المدنيين في مالي

قال عشرات المدنيين الفارين من القتال في مالي لوكالة أسوشيتد برس إن وحدة عسكرية روسية جديدة، يُعتقد أنها “فيلق أفريقيا”، ارتكبت انتهاكات خطيرة بحقهم، بما في ذلك الاغتصاب والقتل العشوائي، أثناء تعاونها مع الجيش المالي في عمليات ضد الجماعات المتطرفة. وتأتي هذه التقارير بعد فترة قصيرة من انسحاب مجموعة فاغنر من البلاد، مما يثير مخاوف بشأن استمرار العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية في منطقة الساحل. هذه الانتهاكات تمثل تصعيداً مقلقاً في الأزمة الأمنية في مالي.
وتشير الروايات المتعددة للاجئين، الذين وصلوا إلى الحدود الموريتانية في الأشهر الأخيرة، إلى أن “فيلق أفريقيا” يتبع أساليب مماثلة لتلك التي كانت تستخدمها فاغنر سابقاً. وقد وصفوا عمليات قتل وحشية، واختطافات، واعتداءات جنسية، بالإضافة إلى تدمير القرى والممتلكات. معظم هؤلاء اللاجئين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام.
تصاعد الانتهاكات في مالي: دور “فيلق أفريقيا”
وتأتي هذه التقارير في وقت تشهد فيه منطقة الساحل الأفريقية تصاعداً في نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة، مما دفع حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى البحث عن دعم من روسيا بدلاً من الشركاء الغربيين التقليديين. وقد أصبحت مالي بؤرة للصراع، حيث تتنافس القوات الحكومية والمسلحة على السيطرة على الأراضي والسكان.
وقد عبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الوضع، مشيرة إلى أن المدنيين يتحملون العبء الأكبر من النزاع. وأكدت أن جميع الأطراف المتورطة في القتال ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن الوضع الإنساني يتدهور بسرعة.
شهادات اللاجئين تكشف عن فظائع
عرض لاجئان مقاطع فيديو تظهر قرى محروقة، بينما ذكر آخران أنهما عثرا على جثث أقاربهم وقد انتُزعت أعضاؤهم الداخلية، وهي انتهاكات سبق أن وثقتها وكالة أسوشيتد برس في مناطق مرتبطة بفاغنر. أحد زعماء القرى، الذي فر من المنطقة، وصف الوضع بأنه “سياسة الأرض المحروقة”، مؤكداً أن الجنود الروس لا يتواصلون مع السكان المحليين ويطلقون النار على أي شخص يظهر أمامهم دون سابق إنذار أو تحقيق.
وقالت موجالوا، وهي راعية ماشية من شمال مالي، إنها شهدت فظائع لا توصف على يد رجال مسلحين يرتدون ملابس عسكرية ويستخدمون لغة أجنبية. ووصفت كيف أخذ المسلحون ابنها وقتلوه بوحشية، ثم عادوا واختطفوا ابنتها الكبرى. هذه الشهادات، وغيرها، تلقي الضوء على المعاناة الهائلة التي يعيشها المدنيون في مالي.
ردود الفعل الرسمية والقيود المفروضة
لم تعترف السلطات المالية علناً بوجود قوات فاغنر أو “فيلق أفريقيا” في البلاد، لكن وسائل الإعلام الروسية الرسمية نشرت تقارير إيجابية عن دور “فيلق أفريقيا” في مكافحة الإرهاب. وزارة الخارجية الروسية أكدت أن الوحدة تعمل بناءً على طلب السلطات المالية، وتقدم الدعم اللوجستي والتدريب للقوات المحلية. في المقابل، لم تصدر وزارة الدفاع الروسية أي تعليق رسمي على هذه الاتهامات.
ويواجه المراقبون المستقلون صعوبات متزايدة في الوصول إلى المناطق المتضررة من النزاع في مالي، حيث تفرض الحكومة قيوداً على عمل الصحفيين ومنظمات الإغاثة. كما أن انسحاب بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام من البلاد في عام 2023 زاد من صعوبة مراقبة الوضع وتقييم الاحتياجات الإنسانية. إضافة إلى ذلك، أدى انسحاب مالي من المحكمة الجنائية الدولية إلى تعقيد جهود المساءلة عن الجرائم الخطيرة.
مستقبل الوضع الإنساني والأمني في مالي
الوضع في مالي يظل معقداً وغير مستقر. من المتوقع أن يستمر العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية ما لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان حماية المدنيين. يجب على الحكومة المالية السماح بوصول المراقبين المستقلين إلى المناطق المتضررة، والتحقيق في جميع ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عنها. كما يجب على المجتمع الدولي زيادة الدعم الإنساني لمالي، والضغط على الحكومة للامتثال لالتزاماتها بحقوق الإنسان. من المقرر أن يقدم الخبير المستقل للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مالي تقريراً جديداً إلى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر القادم، ومن المتوقع أن يتضمن هذا التقرير تقييماً مفصلاً للوضع الحالي وتوصيات بشأن الخطوات التي يجب اتخاذها لتحسينه.





