مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا

دمشق – أثارت مسابقة أطلقتها وزارة الثقافة السورية لكتابة وتلحين النشيد الوطني الجديد جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إعلانها في الثاني عشر من نوفمبر الحالي، بالتزامن مع ذكرى تحرير سوريا. وقد أدت صيغة الإعلان وشروطه إلى انتقادات واسعة النطاق، معتبرين إياها غير واقعية والمهلة الزمنية المحددة غير كافية، بالإضافة إلى تساؤلات حول الجوانب الدستورية المتعلقة بتغيير الرموز الوطنية.
وتراجعَت الوزارة عن بعض الشروط والمعايير التي اعتمدتها في المسابقة، وذلك في منشور على صفحتها الرسمية على فيسبوك يوم الأربعاء الماضي. شمل التراجع حذف شرط يتعلق بالمقامات الموسيقية، وتمديد المهلة المخصصة لتقديم النصوص الشعرية في المرحلة الأولى، دون تحديد مدة التمديد بشكل دقيق.
جدل حول معايير المسابقة
وضعت وزارة الثقافة السورية مجموعة من المعايير والشروط الخاصة بالنص الشعري واللحن. تضمنت معايير النص الشعري الفصاحة والجزالة، والرمزية التي تعبر عن الهوية الوطنية، بالإضافة إلى الوزن والإيقاع، والوضوح الذي يجعله قادراً على الوصول إلى الجمهور.
أما معايير اللحن، فقد ركزت على الأصالة، بمعنى أن يكون اللحن مستنداً إلى المقامات الموسيقية الشرقية السورية التقليدية مثل النهاوند والحجاز والرست. كما اشترطت الوزارة أن يتمتع اللحن بالقوة التعبيرية، وأن يكون قابلاً للأداء الجماعي، وأن يحمل طابعاً عالمياً.
وقد حددت الوزارة الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول الحالي موعداً نهائياً لتسليم الألحان والنصوص الشعرية. أثار هذا الموعد، بالإضافة إلى شرط الأصالة في اللحن، انتقادات واسعة من الفنانين والمثقفين.
انتقادات من المثقفين والفنانين
عبّر العديد من المثقفين والفنانين عن استيائهم من الإعلان، معتبرين أنه يضع شروطاً تعجيزية أمام المشاركين. وكتب محمد الجوير على صفحته في فيسبوك قائلاً إن ثلاثة أسابيع هي مدة غير كافية لكتابة وتلحين نشيد وطني جديد، خاصةً مع الأهمية الكبيرة التي يحملها هذا الرمز الوطني.
وأضاف الجوير أن ربط عملية الكتابة بعملية التلحين أمر غير منطقي، لأن الشاعر والملحن هما شخصان مختلفان، ولكل منهما مهاراته وخبراته الخاصة. في المقابل، أشاد منعم هلال بالإعلان، معتبراً أنه خطوة إيجابية نحو صياغة نشيد وطني يعكس المرحلة الحالية في سوريا.
وأشار هلال إلى أن أي نشيد يتم اختياره يجب أن يعبر عن هوية السوريين وتطلعاتهم، وأن يكون مقبولاً من قبلهم. بينما وصف نزار الصباغ شروط ومعايير الإعلان بأنها “مذهلة” من الناحية الثقافية، معتبراً أنها تضع قيوداً غير ضرورية على الإبداع.
تساؤلات حول الجانب الدستوري
أثار الإعلان أيضاً تساؤلات حول الجانب الدستوري المتعلق بتغيير النشيد الوطني. وتساءل أحمد خياطة في منشور له على فيسبوك عن مدى حق الوزارة في تغيير النشيد دون موافقة مجلس الشعب أو قرار رسمي من السلطة العليا في البلاد.
وأكد خياطة على أن تغيير النشيد الوطني هو مسألة ذات أهمية وطنية كبيرة، ولا يمكن أن يتم اتخاذ قرار بشأنها من قبل جهة واحدة دون الرجوع إلى المؤسسات التشريعية والرقابية. في السياق نفسه، اعتبر عمر هزاع أن الإعلان ينطوي على “تجاوزات دستورية” تستدعي محاسبة المسؤولين.
وأضاف هزاع أن اختيار النشيد الوطني يجب أن يتم بتوجيه من رئيس الجمهورية، وتكليف من رئاسة الوزراء والبرلمان، من خلال لجان مختصة وبآليات واضحة وشفافة. هذه الجدل أثار نقاشاً واسعاً حول أهمية الرموز الوطنية، وكيفية التعامل معها بما يحافظ على هويتها وقيمتها.
تاريخ النشيد الوطني السوري
اعتُمد أول نشيد وطني سوري في العهد الجمهوري عام 1938، وهو نشيد “حماة الديار” الذي كتب كلماته الشاعر خليل مردم بك ولحنه الأخوان فليفل. وقد ارتبط هذا النشيد بالحركة الوطنية السورية، وعبر عن تطلعاتها نحو الاستقلال والحرية.
ومع إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، تم اعتماد نشيد “والله زمان يا سلاحي” كنشيد وطني للدولة الاتحادية. وعاد نشيد “حماة الديار” إلى الاعتماد رسمياً بعد انفصال سوريا عن مصر عام 1961.
من المتوقع أن تستمر وزارة الثقافة في تلقي النصوص والألحان خلال الفترة الممددة، وأن تقوم لجنة التحكيم بدراسة وتقييم الأعمال المقدمة وفقاً للمعايير والشروط المحددة. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الوزارة ستعدل عن بعض الشروط الأخرى التي أثارت جدلاً، أو ما إذا كانت ستلتزم بالموعد النهائي المحدد. يجب متابعة تطورات هذه المسابقة، وما إذا كانت ستؤدي إلى اختيار نشيد وطني جديد يعبر عن هوية وتطلعات السوريين في المرحلة الحالية.





