معركة حمص.. بين الحرب النفسية والميدان حتى لحظة التحرير

في قلب الأحداث المتسارعة، شهدت مدينة حمص السورية تحولاً تاريخياً، حيث تمكنت قوات المعارضة من تحرير المدينة بعد سنوات من الحصار والمعارك الضارية. وقد تميزت عملية تحرير حمص بدمج استراتيجيات عسكرية تقليدية مع تكتيكات حرب نفسية دقيقة، مما أدى إلى انهيار دفاعات النظام السوري. هذا الانتصار يمثل نقطة تحول رئيسية في سياق الصراع الدائر في سوريا، ويفتح آفاقاً جديدة للمعارضة.
بدأت القصة قبل معركة ردع العدوان التي أطلقتها فصائل المعارضة ضد قوات نظام بشار الأسد. وقد عمد الثوار إلى نشر حملة من الشائعات بهدف تضليل النظام وإرباكه، مدعين أن المعركة ستبدأ في منطقة ميزاناز بريف حلب. وقد استجابت قوات النظام لهذه الشائعات بتحشد قواتها في حلب، مما أتاح للمعارضة شن هجوم مفاجئ من قطّان الجبل، كاشفةً بذلك عن مسار المعركة الحقيقي.
استراتيجيات التحرير: بين الالتفاف والحرب النفسية
بعد السيطرة على حلب، تقدمت قوات المعارضة باتجاه الشرق، وخاضت معارك شرسة على محاور خنيفس – تل خزنة – المشرفة. وفي الوقت نفسه، تقدمت قوات أخرى من الغرب نحو الغمط – دير معلا – والدار الكبيرة، مما أدى إلى تطويق مدينة حمص من الشرق والغرب. هذه الاستراتيجية المزدوجة أضعفت قدرة النظام على الدفاع عن المدينة.
أما المحور الشمالي، فقد شهد الضربة الأقوى، حيث اقتحمت القوات حاجز ملوك، وهو من أكبر وأقوى تحصينات النظام. وقد استخدمت القوات في هذا الهجوم سلاح الشاهين والمدفعية الثقيلة، بالإضافة إلى كتائب “العصائب الحمراء” التي أحدثت هزة في الخطوط الأمامية للنظام. وقد ساهمت سرعة المناورة وتركيز الضربات على النقاط المتقدمة في إجبار كبار الضباط على الفرار، وترك الجنود يواجهون مصيرهم.
دور الإشاعات في إضعاف معنويات النظام
اعتمدت قوات المعارضة أسلوب الالتفاف على عناصر النظام، حيث كانت كل منطقة يتم السيطرة عليها تتحول إلى قاعدة للتقدم نحو الهدف التالي. بالإضافة إلى ذلك، تم شن حملة مكثفة لنشر الإشاعات داخل المدينة، تزعم وجود مجموعات من الثوار في أحياء داخل حمص، مما أربك النظام قبل دخول القوات فعلياً. هذه التكتيكات ساهمت في إضعاف معنويات قوات النظام وتقليل قدرتهم على المقاومة.
يقول عبد المنعم ضاهر، قائد لواء القوات الخاصة في الفرقة 52، إن قوات المعارضة اعتمدت على أسلوب الالتفاف على عناصر نظام الأسد، حيث أصبحت كل منطقة تسقط قاعدة للتقدم نحو الهدف التالي، مع إبقاء وحدات نخبوية لتأمينها. وترافق ذلك مع بث مكثف للإشاعات داخل المدينة، حول وجود مجموعات للثوار في أحياء داخل حمص، مما أربك النظام قبل دخول القوات فعلياً.
لحظة الدخول: خالد بن الوليد يستقبل المحررين
كان دخول حمص أشبه بمشهد تاريخي، حيث توجه المقاتلون مباشرة نحو جامع خالد بن الوليد، وتذكروا العهد الذي قطعوه أثناء الحصار: أن يعودوا فاتحين. هناك، سجدوا شكراً، وحيوا الجامع تحية عسكرية، معتبرين وجود “سيف الله المسلول” في مدينتهم دافعاً للاستمرار حتى تحقيق النصر الكامل. هذا المشهد يعكس الأهمية الرمزية لمدينة حمص في الذاكرة الجماعية للمعارضة السورية.
من الجامع إلى ساعة حمص، خرج الأهالي لاستقبال قوات المعارضة في مشهد احتفالي يليق بإنجازاتهم. وقد استعادت المدينة حريتها بعد سنوات من القمع والحصار. وكانت حمص يومها مدينة خالد بن الوليد الحرة، التي كسرت القيود، وعادت شامخة، لتروي للعالم قصة التحرير التي جمعت بين تكتيك الميدان وسلاح المعنويات.
مع اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، كانت حمص من أوائل المدن التي انتفضت بالمظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الأسد، وصارت محورا رئيسيا للاحتجاجات. ومنذ ذلك الوقت، شهدت المدينة عمليات عسكرية مكثفة وقصفا عنيفا انتهجته قوات الأسد، وتصاعدت حدة الهجمات مع تحول الاحتجاجات السلمية تدريجيا إلى نزاع مسلح في سبتمبر/أيلول من العام نفسه. تحرير حمص يمثل علامة فارقة في مسار الثورة السورية.
من المتوقع أن يؤدي تحرير حمص إلى تغييرات كبيرة في ميزان القوى في سوريا، وأن يشجع فصائل المعارضة الأخرى على مواصلة القتال. ومع ذلك، لا يزال الوضع في سوريا معقداً للغاية، وهناك العديد من التحديات التي تواجه المعارضة، بما في ذلك الحفاظ على وحدة الصف وتأمين الدعم الدولي. من المهم مراقبة التطورات في الأيام والأسابيع القادمة لتقييم الأثر الكامل لهذا الانتصار على مستقبل سوريا. الوضع الإنساني في المدينة لا يزال يتطلب جهوداً كبيرة لتوفير المساعدات للمدنيين المتضررين.





